في تطوّرٍ مفاجئ يعيد تشكيل ملامح المشهد السوري، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية – وفقاً لتقارير إعلامية – عن نيتها بدء انسحابٍ تدريجي لقواتها من سوريا خلال الشهرين المقبلين، ما أثار موجةً من ردود الفعل الإقليمية والدولية، خاصةً من جانب «قوات سوريا الديمقراطية» (SDF) وقائدها الجنرال مظلوم عبدي، الذين عبّروا عن قلقهم من تداعيات هذا القرار على مستقبل الاستقرار في المنطقة.
إعلان الانسحاب الأمريكي
بحسب تقارير إعلامية، أبلغ مسؤولون أمنيون أمريكيون نظراءهم «الإسرائيليين» بأن الولايات المتحدة تعتزم بدء انسحابٍ تدريجي لقواتها من سوريا خلال الشهرين المقبلين. وهذا الإعلان يأتي بعد سنواتٍ من التواجد العسكري الأمريكي في سوريا، والذي كان يهدف إلى دعم «قوات سوريا الديمقراطية» في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وضمان الاستقرار في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد وفق ما تقول أمريكا نفسها.
مظلوم عبدي: قلق من الفراغ الأمني ودعوة للبقاء
في تصريحاتٍ إعلامية سابقة، كان قد أعرب الجنرال مظلوم عبدي عن قلقه من أن يؤدي الانسحاب الأمريكي إلى فراغٍ أمني قد تستغله الجماعات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، للعودة إلى النشاط في المنطقة. كما أشار إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» غير مطلعة على أي خططٍ أمريكية للانسحاب، داعياً الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في قرارها.
وقال عبدي في مقابلة أجراها مع «الغارديان» البريطانية في 9 كانون الثاني/يناير من العام الجاري 2025: «العامل الأساسي لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة هو الوجود الأمريكي على الأرض». وأضاف أن انسحاب القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي سيؤدي إلى «عودة العديد من الفصائل، بما فيها داعش». وأضاف أن الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة الاستراتيجية هو الضامن للاستقرار والأمن المستقبلي، معتبراً أن أي «انسحاب أمريكي» سيقود إلى «حالة فوضى جديدة، وقد يؤدي ذلك إلى حرب أهلية أخرى، لأن العديد من الفصائل تهدد الأكراد»، فيما لم يدلِ بتصريحات أخرى مرتبطة بهذه المسألة بعد ذلك.
اقرأ أيضاً: هل خطا الاتفاق مع «قسد» خطوة إلى الأمام؟!
هل الاتفاق بين «قسد» ودمشق محاولة لملء الفراغ؟
في آذار الماضي، كان قد وقّع مظلوم عبدي اتفاقاً مع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يهدف إلى دمج «قوات سوريا الديمقراطية» ضمن هيكلية الدولة السورية الجديدة، مع الحفاظ على بعض مظاهر الحكم الذاتي في المناطق الكردية. وفي إطار التعليق على هذا الاتفاق يرى البعض أنه يعد مؤشراً على نية أمريكا الجدية بالانسحاب من الأراضي السورية، بالتالي محاولة إيجاد بدائل لحلفائها وملء الفراغ الأمني الذي قد ينشئ، لذلك دفعتهم للتنسيق مع السلطة الجديدة في دمشق.
دوافع الانسحاب الأمريكي
يبدو أن قرار الانسحاب الأمريكي يأتي في إطار إعادة تقييمٍ للسياسة الخارجية الأمريكية ما بعد تربّع دونالد ترامب عرش الرئاسة، خاصةً مع التركيز على تقليل التواجد العسكري في مناطق النزاع، والالتفات لبناء «أمريكا العظمى من جديد» على حدّ قوله. كما يُشير بعض المحللين إلى أن الولايات المتحدة تسعى لتفادي الانخراط في صراعاتٍ إقليمية معقدة، خاصةً في ظل التوترات بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية.
هل ستنسحب أمريكا فعلاً من سوريا؟
رغم الإعلان عن نية الانسحاب، يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستُنفذ هذا القرار بالكامل. فتجارب سابقة، مثل إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب عن انسحابٍ مشابه في عام 2019 دون تنفيذه بالكامل، تُشير إلى أن مثل هذه القرارات قد تتغير بناءً على تطورات الأوضاع الميدانية والسياسية. غير أنه من الضروري الانتباه أن الحديث يدور عن «بدء الانسحاب» ما يوحي بأن الانسحاب عملية ستبدأ بعد شهرين ومن غير الواضح كم ستستمر بحال بدءها، ومن غير الواضح أيضاً، إن كان الانسحاب سيكون جزئياً أم كاملاً.
اقرا أيضاً: لماذا فرضت أمريكا 41% رسوماً جمركية على سوريا؟
وفي الختام، الانسحاب الأمريكي من سوريا مع ما يحمله من تحدياتٍ أمنية وسياسية، وبحال حدوثه سيُمثل نقطة تحولٍ في مسار الأزمة السورية بلا شك. ويُمكن أن يُوفر فرصة أكبر للسوريين لإعادة ترتيب أوضاعهم الداخلية والتوصل إلى حلولٍ سياسية تُنهي سنوات من الصراع. لكن نجاح هذه المساعي يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة الأطراف السورية على تجاوز الخلافات والتوصل إلى توافقاتٍ تُحقق الاستقرار والتنمية للبلاد.