تسببت سنوات الحرب والنزاع في سوريا، والممتدة لأكثر من عقد، بدمار واسع لا يزال يلقي بظلاله على نواحي الحياة المختلفة، بنية تحتية متهالكة، اقتصاد يحاول الوقوف على قدميه دون جدوى، خدمات أساسية بالكاد تسند أيام المواطنين، وفي خضم هذا المشهد التراجيدي، يقف قطاع التعليم بائساً، في انتظار من ينتشله من دوامة الهلاك، فهو على الرغم من كل الدمار الحاصل، يعد المتضرر الأكبر، وإنقاذه حاجة ملحّة بالفعل، لأنه حجر الزاوية في بناء الأوطان والشعوب، فكيف تضرر هذا القطاع الرئيسي في سوريا ومما يعاني؟
مشاكل وتحديات
وفقاً لإحصائيات رسمية صادرة عن الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، طال الدمار الذي تسببت به الحرب في سوريا قرابة 29% من المدارس بشكل كلي أو جزئي.
وقد تسبب هذا الدمار بمشاكل عدة، وبات النظام التعليمي يفتقر إلى أدنى مقومات البيئة الدراسية السليمة، فالمدارس التي لا تزال قائمة أصبحت تعاني من اكتظاظ شديد في الصفوف، وهذه المشكلة جلبت معها مشاكل أخرى مثل نقص الأثاث والقرطاسية، وتهالك البنى التحتية من دورات مياه وشبكات الصرف الصحي، وهذا كله أدى إلى انحدار جودة التعليم.
وبحسب تقديرات دولية، فإن إعادة إعمار ما دُمّر في البلاد يحتاج إلى حوالي 600 مليار دولار، وهي تكلفة باهظة تعرقلها العقوبات الدولية وغياب خطة واضحة وملموسة لإعادة الإعمار.
اقرأ أيضاً: جهود سعودية لتسوية ديون سوريا.. خطوة نحو إعادة الإعمار تنتظر التأكيد
ومن التحديات التي يواجهها التعليم في سوريا أيضاً هو العدد الكبير من الطلاب المتسربين، والذي يُقدّر بحوالي 2.5 مليون طالب، وتعود الأسباب بشكل رئيسي إلى الفقر والظروف المعيشية الصعبة، إذ اضطرت العديد الأسر إلى دفع أطفالهم نحو سوق العمل لمساعدتهم على تأمين لقمة العيش بدلاً من الذهاب إلى المدرسة، خاصة وأن أسعار القرطاسية أصبحت عبئاً ثقيلاً، ففي العام الماضي كانت الحقيبة المدرسية لوحدها تكلّف 150 ألف ليرة سورية، وإن كانت مصنوعة من الجلد الطبيعي فقد وصل سعرها لـ700 ألف ليرة سورية!
ولم تقتصر آثار الحرب على هذا فقط، لكنها تسببت أيضاً بنقص في الكادر التعليمي، لأن موجات النزوح والهجرة التي تواصلت حتى بعد توقف المعارك الكبرى، ساهمت في تفريغ المدارس من الكوادر، خاصة مع الرواتب السيئة التي لا تتجاوز 25 دولاراً شهرياً في بعض الأحيان، ورغم وعود الحكومة الجديدة برفع الرواتب والذي لم يصدر بها أي قرار بعد، إلّا أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة وأجور النقل المرتفعة تهدد بمغادرة الكثير من المعلمين القطاع الحكومي نحو التعليم الخاص أو الهجرة.
وفي تحدٍّ جديد قد يكون من المبكر التفكير فيه ولكن لا بدّ من ذكره، هناك توقعات بعودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين من تركيا ودول أوروبا في الفترة المقبلة، ما يضع ضغوطاً إضافية على قطاع التعليم الذي يعاني من الأساس، حينها ستواجه المدارس تحديات كبيرة في استيعاب هؤلاء الطلاب، لا سيما مع اختلاف المناهج واللغة، خاصة للأطفال الذين درسوا بلغات أجنبية خلال فترة اللجوء.
اقرأ أيضاً: قرارات الحكومة الألمانية الجديدة تحبط اللاجئين السوريين
محاولات إنعاش التعليم في سوريا
منذ سقوط النظام في أواخر العام الماضي 2024، والحكومة السورية الجديدة ممثلة بوزارة التربية والتعليم تحاول قدر المستطاع أن تنقذ ما تبقّى من القطاع التعليمي المتهالك، من خلال تعزيز التعاون مع الدول المانحة والمنظمات الدولية، وبحث خطط لتحسين التعليم وإيجاد الحلول الفورية.
ولكن بالرغم من الجهود الحثيثة، فإن حجم الدمار الذي لحق بالمنشآت التعليمية في سوريا جاء أكبر من التوقعات، وبحسب بيانات رسمية من وزارة التربية والتعليم فإن عدد المنشآت التعليمية المتضررة أو التي تحتاج إلى صيانة بلغ حوالي 27 ألف منشأة موزعة على مختلف المحافظات السورية، وتشير الإحصاءات الأولية إلى أن حوالي 8 آلاف مدرسة قد دُمّرت بالكامل أو تضررت بدرجات مختلفة.
ومع استمرار البحوث وتقييم الأضرار، تبيّن أن 797 مدرسة في سوريا تحتاج إلى ترميم عاجل لا يحتمل التأجيل، لأنه قد يؤثر على سلامة التلاميذ والمعلمين، ويقف في وجه استمرار العملية التعليمية، ولو بحدها الأدنى.
ورغم التحديات الهائلة، انطلقت أعمال الترميم بالتعاون مع العديد من الشركاء المحليين والدوليين، ضمن خطة تشاركية تهدف إلى إعادة بناء المدارس تدريجياً.
اقرأ أيضاً: أزمة الاتصالات في سوريا: إعفاءات دون حلول… لماذا تستمر الانقطاعات؟
وكان آخر الجهود لقاء جمع وزير التربية والتعليم، محمد عبد الرحمن تركو، يوم أمس، بالقائمة بأعمال سفارة مملكة السويد في سوريا، جيسيكا سفاردستروم.
وقد تم التباحث حول أهمية وضع استراتيجيات فعالة لإعادة بناء المرافق التعليمية ودور الدعم الدولي في تسريع هذه العملية لضمان بيئة تعليمية آمنة وصحية للأطفال، كما تم التطرق إلى قضية التسرب المدرسي، واتفق الطرفان على ضرورة تطوير برامج تعليمية تهدف إلى إعادة دمج هؤلاء الطلاب في النظام التعليمي.
وفي هذا السياق، أكد وزير التربية أن الوزارة تعمل ضمن خطة استراتيجية وطنية تهدف إلى تطوير العملية التربوية، ولفت إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا تشكل عائقاً كبيراً أمام إعادة إعمار قطاع التعليم، داعياً إلى رفع هذه العقوبات لتمكين وصول الدعم والمساعدات اللازمة.
من جهتها، أعربت سفاردستروم عن اهتمام بلادها بتعزيز التعاون التربوي مع سوريا، وأكدت أن تحسين واقع التعليم في البلاد يعد من أولويات السويد في دعم الشعب السوري، من أجل رفع جودة التعليم وضمان وصوله لجميع الأطفال السوريين الذين يستحقون واقع تعليمي أفضل.
ختاماً، في ضوء هذا المشهد المعقد، قد يبدو تعافي التعليم في سوريا حلماً بعيد المنال، ولكن لا بد أن نرى نقطة بيضاء رغم السواد، لا أن نترك الجهود تغرق في عتمة اليأس، والمسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة فحسب، بل على السوريين أنفسهم، وحدهم بإصرارهم يستطيعون إبقاء نافذة الأمل والطموح مفتوحة، لتطرد الماضي المؤلم وترحب بمستقبل جديد يليق بأحلام أطفالهم.
اقرأ أيضاً: مليون نازح بالداخل السوري يرغبون بالعودة لمدنهم العام المقبل