تعد قضية تقسيم سوريا من القضايا شديدة التداول بين الناس وفي الأوساط السياسية والإعلامية في هذه الأيام، وحول هذه المسألة بالضبط كان لتركيا موقف واضح ومعلن من أعلى مسؤول فيها، وهو موقف أصبح فيما بعد محطَّ أنظار المراقبين.. فما هو الموقف التركي وما هي دوافعه؟ وما التحديات التي تواجهها سوريا بمواجهة التقسيم؟
تركيا والموقف من التقسيم
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (Recep Tayyip Erdoğan) مراراً رفض بلاده القاطع لأي محاولةٍ لتقسيم سوريا، مشدّداً على أن أنقرة لن تسمح بزعزعة وحدة الأراضي السورية تحت أي ذريعة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب. كما أشار إلى أن أمن واستقرار سوريا جزءٌ لا يتجزأ من الأمن القومي التركي، مؤكداً استعداد بلاده لاتخاذ «الإجراءات اللازمة» في مواجهة أي تهديد.
دوافع الموقف التركي: بين الأمن القومي والمصالح الإقليمية
بالبحث والاضطلاع، يظهر أن تركيا في موقفها من تقسيم سوريا تنطلق من عدة اعتبارات استراتيجية؛ منها ما تصفها هي بالـ «التهديد الكردي»، إذ تخشى أنقرة من إقامة كيانٍ كردي مستقل في شمال سوريا، قد يشكل قاعدةً لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه تركيا كمنظمةٍ إرهابية.
أيضاً، فإنّ مسألة اللاجئين السوريين من القضايا التي تأخذها أنقرة بعين الاعتبار، حيث تسعى تركيا لإعادة قسم كبير من اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة داخل سوريا، ما يتطلب الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتجنب أي تقسيم قد يعيق هذه العملية.
إلى جانب هذا، يرى البعض أن أنقرة ترغب في تعزيز دورها الإقليمي من خلال دعم استقرار سوريا، الأمر الذي يتيح لها فرصاً اقتصادية واستراتيجية، خاصةً في مجالات إعادة الإعمار والتجارة.
التحديات التي تواجهها سوريا بمواجهة التقسيم
تواجه سوريا تحدياتٍ كبرى في مواجهة مشاريع التقسيم، وتتداخل فيها العوامل الداخلية والخارجية، مما يُهدد وحدة البلاد واستقرارها. ومن أبرز هذه التحديات التدخلات الخارجية، حيث تسعى بعض القوى الإقليمية والدولية إلى فرض واقع تقسيمي في سوريا، من خلال دعم كيانات شبه مستقلة على أسس عرقية أو طائفية، مما يُضعف سلطة الدولة المركزية ويُهدد سيادتها، ولا نعتقد أن المساعي «الإسرائيلية» في هذا الإطار تخفى على أحد.
كذلك، تعاني سوريا الآن من اقتصاد منهك وتدهور اقتصادي حادّ، نتيجة الحرب والعقوبات، الأمر الذي يُضعف قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، ويُعزز من نزعات الانفصال لدى بعض المناطق التي تسعى للحصول على موارد مستقلة.
بالإضافة لذلك، فإن انتشار السلاح والحالة الفصائلية، وعدم بسط السلطات الجديدة سيطرتها على كل الأراضي السورية، والانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها المدنيون في بعض مناطق البلاد، هي بالجملة قضايا تقف عائقاً أمام مشروع وحدة البلاد، فهي تعزز الانقسام.
اقرأ أيضاً: تضم خمس دول.. تركيا تكشف عن «آلية إقليمية» بإدارة سورية وهدف محدّد!
ختاماً، يمكن القول إن ما يجعل تركيا تقف موقف الرفض لتقسيم سوريا هو خشيتها من أن يكون لذلك أثراً سلبياً عليها، وينعكس على وحدتها لكونها تتقاطع مع الدولة السورية بحدود تتجاوز الـ 900 كيلومتراً، ولا يمكن لحدث بهذا الحجم (التقسيم) أن يحصل في سوريا دون انعكاسات له في تركيا، غير أن من له مصلحة في تقسيم سوريا، لن تقف حدود مصلحته عندها بل ربما ستكون تركيا هدفه اللاحق..
على أية حال، لمواجهة تحديات التقسيم، تحتاج سوريا اليوم إلى استراتيجية شاملة تُعزز من الوحدة الوطنية بين أبنائها، وتُعيد بناء مؤسسات الدولة، وتُحقق العدالة والمصالحة بين مختلف المكونات، بما في ذلك توحيد السوق الاقتصادي في البلاد، وإن كانت التحديات كبيرة، فهذا يجعل المسؤولية الملقاة على عاتق السلطات الجديدة في البلاد أعلى، على أمل أن ينتهي تقسيم الأمر الواقع الماثل الآن في سوريا ويلتم شمل البلاد من جديد.