في خطوة تعكس التوترات المتزايدة على الساحة السورية، أصدرت رئاسة الجمهورية السورية بياناً رسمياً في 27 نيسان/أبريل 2025، تناولت فيه مستجدات الاتفاق مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد). البيان جاء بعد يوم من اختتام «مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي» في مدينة القامشلي، الذي جمع أكثر من 400 شخصية كردية من داخل سوريا وخارجها، وتبنّى رؤية سياسية لبناء دولة ديمقراطية لامركزية تضمن حقوق الأكراد.
بدأ البيان الرئاسي بالإشارة إلى أن الاتفاق الأخير بين الرئيس أحمد الشرع وقيادة قسد كان «خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل». ومع ذلك، أضاف البيان أن «التحركات والتصريحات الصادرة مؤخراً عن قيادة قسد، والتي تدعو إلى الفيدرالية وتُكرّس واقعاً منفصلاً على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها».
مؤتمر القامشلي: رؤية كردية موحدة
في المقابل، اختتم «مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي» في القامشلي أعماله بتبني رؤية سياسية مشتركة، أكد المشاركون فيها على ضرورة بناء دولة ديمقراطية لامركزية في سوريا. وشدد البيان الختامي على ضمان حقوق الأكراد، تمكين المرأة، وتوزيع عادل للسلطة والثروة. كما دعا إلى تشكيل وفد كردي مشترك للتفاوض مع الحكومة السورية.
فيما يرفض البيان الرئاسي أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل. في المقابل، يرى الأكراد أن اللامركزية هي السبيل الأمثل لضمان حقوقهم ضمن سوريا موحدة.
مخاوف من مشروع تقسيمي في سوريا
وفي سياق المناقشات الأخيرة حول الأمر، قال الأكاديمي والباحث السياسي مؤيد غزلان في مداخلة له من دمشق على قناة «سكاي نيوز عربية» إن هناك «حساً وطنياً عاماً» تبلور بعد الإعلان الدستوري الجديد، والذي يعتمد على فكرة الهوية الوطنية الشاملة التي تجمع جميع المكونات السورية.
وأضاف أن المؤتمر الوطني الكردي أصدر بياناً ختامياً يمكن اعتباره بمثابة «إعلان دستوري» خاص به، معتبراً أنه تجاوز بذلك إرادة الأغلبية السكانية في منطقة الجزيرة السورية، التي تتشكل غالبية سكانها من العرب.
غزلان حذر من أن مطالب قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لإنشاء «وحدة سياسية متكاملة» للأكراد في سوريا قد تفتح الباب أمام إقامة «كيان مستقل داخل الدولة السورية»، معتبراً أن هذه المطالب تتعدى اللامركزية بل قد تشير إلى مشروع انفصالي مستتر.
الأكراد ينفون توجهاتهم الانفصالية
من جهته، نفى الكاتب والباحث السياسي السوري رستم محمود خلال مداخلة له من أربيل، الاتهامات الموجهة للأكراد بالسعي نحو الانفصال. وأكد محمود أن مطالب الأكراد تتركز في حقوق قومية وثقافية وسياسية ضمن إطار الدولة السورية الموحدة، وأن الأكراد لا يسعون للانفصال عن الدولة.
محمود أوضح أن الاتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي كان يتناول فقط إعادة دمج المؤسسات العسكرية والأمنية لقسد ضمن البنية التحتية للدولة السورية، مشدداً على أن القضية الكردية الدستورية لم تكن جزءاً من هذا الاتفاق، وهي تحتاج إلى مفاوضات سياسية.
التباين في المواقف: شكوك حول اللامركزية
على الجانب الآخر، أشار غزلان إلى أن قسد لم تمارس اللامركزية بشكل فعلي في المناطق التي تسيطر عليها، حيث كان القرار يتمركز بيدها دون السماح لأي قوى محلية أخرى بالمشاركة في الحكم المحلي، معتبراً أن هذا الواقع يثير شكوكاً حول مصداقية مطالبها.
كما أضاف أن إعلان قسد عن إنشاء «وحدة سياسية متكاملة» يشبه تجربة إقليم كردستان العراق في عام 2017، محذراً من أن تكرار هذا السيناريو في سوريا قد يؤدي إلى صدامات جديدة.
وفي إطار الحلول، اقترح غزلان على دمشق تنظيم مؤتمر للمكون العربي في منطقة الجزيرة السورية، الذين – بحسب غزلان – يشكلون أكثر من 80% من السكان، لإتاحة الفرصة له لتقديم رؤيته الدستورية والوطنية. مشيراً أن الأغلبية العربية ترفض مشاريع اللامركزية والفيدرالية التي تقترحها قسد، على حد قوله.
اقرأ أيضاً: نحو أفق جديد: الأكراد في سوريا يجتمعون على كلمة واحدة
حقوق الأقليات في قلب الديمقراطية
وفي ختام النقاش، شدد محمود على أن حماية حقوق الأقليات تعد جزءاً أساسياً من مفهوم الديمقراطية، مشيراً إلى أن الدستور يجب أن يكون بمثابة عقد اجتماعي توافقه جميع المكونات السورية، وليس مجرد حكم للأغلبية.
أخيراً، يمكن القول إن التحدي الأكبر يكمن في كيفية التوفيق بين رؤية الحكومة السورية التي ترفض الفيدرالية، ورؤية الأكراد الذين يسعون إليها. فهل يمكن للطرفين تجاوز هذه الفجوة وتحقيق توافق يضمن وحدة البلاد ويحترم حقوق جميع مكوناتها؟ في الحقيقة لا يمكن التكهّن بذلك أو البتّ بالأمر لأن التطورات القادمة وحدها التي ستكشف عن إمكانية ذلك.