تشهد محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا تفشياً واسعاً لمرض نيوكاسل بين الدواجن، ما تسبب بنفوق آلاف الطيور وتكبّد المربين خسائر فادحة.
ينتج المرض عن فيروس نيوكاسل (NDV)، المعروف محلياً باسم “أبو عريف” أو “طاعون الطيور”، ويصيب بشكل رئيسي الجهاز التنفسي للدواجن، وينتقل الفيروس عبر المياه والغذاء الملوثين، الرذاذ، والملابس والمعدات الملوثة، إضافة إلى الحشرات والطيور المهاجرة، ما يزيد من سرعة انتشاره.
ومن الأعراض التي تظهر على الدواجن بسبب المرض، فقدان الشهية، انخفاض إنتاج البيض، صعوبات في التنفس، إسهال أخضر غزير، انتفاخ في الرأس، إلى جانب أعراض عصبية مثل التواء الرقبة، ارتعاش العضلات، رجفان الرأس، والسعال، وقد تنتهي الإصابة بالموت خلال يومين فقط.
وفي تصريح لصحيفة “الحرية”، أفاد أحد مربي الدواجن في منطقة عامودا شمالي الحسكة، أنه فقد نحو 3000 طير من أصل 7300 طير كان يربيها، لافتاً إلى أن حجم الخسائر في القطاع يدعو للقلق.
ومن المؤسف أن إغلاق مديرية الزراعة في المحافظة للشهر الخامس على التوالي، قد ساهم في انقطاع توريد اللقاحات البيطرية من دمشق، ما حرم المربين من تحصين طيورهم ضد المرض، كما أن الأدوية المتوفرة حالياً في الأسواق المحلية محدودة الفعالية ومرتفعة الثمن، وهذا أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة.
اقرأ أيضاً: القطن السوري يحتضر.. والمزارعون ينتظرون الفرج!
ركيزة اقتصادية في مواجهة التحديات
ويشكّل قطاع الدواجن في محافظة الحسكة ركيزة أساسية للاقتصاد المحلي، فهو من القطاعات الحيوية في سوق العمل، إذ يؤمن وظائف مباشرة في المداجن، وفرص عمل غير مباشرة في مجالات مرتبطة كصناعة الأعلاف، والنقل، والتسويق، كما يوفر مصدراً رئيسياً للبروتين الحيواني لسكان المنطقة، ويساهم في تحقيق جزء مهم من الاكتفاء الذاتي من اللحوم البيضاء.
وقد واجهت تربية الدواجن في سوريا عموماً خلال العقد الماضي تحديات متزايدة شملت ارتفاع تكاليف الإنتاج، تقلبات الأسعار، والمنافسة مع المنتجات المستوردة.
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، تقلص القطاع بنسبة 60% بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، وتراجع المراعي نتيجة انخفاض معدلات الأمطار.
وفي الحسكة، انخفض عدد المداجن من 740 مدجنة قبل عام 2011 إلى نحو النصف بحلول عام 2019، نتيجة لتدهور الوضع الأمني وأزمات الكهرباء والمحروقات.
أما عام 2023، فقد تفاقمت الأزمة مع تفشي مرض نيوكاسل، والذي يفرض اتخاذ إجراءات صارمة تشمل إعدام الطيور المصابة، فرض الحجر الصحي لمدة تصل إلى 21 يوماً، وتطهير المزارع المتضررة، كما يتطلب التخلص الآمن من الطيور النافقة، للحد من انتقال العدوى إلى المزارع الأخرى أو تلوث البيئة.
وعلى الرغم من أن الإجراءات الوقائية أساسية، إلّا أن التدابير المفروضة أدت إلى تعطيل كبير في عمليات الإنتاج، وأجبرت العديد من المزارع على الإغلاق، ما فاقم خسائر المربين وزاد من تعقيد الأزمة التي يعيشها قطاع الدواجن في المحافظة.
اقرأ أيضاً: مزارعو الحسكة بين أرض عطشى وأمل مفقود!
ارتفاع الحرارة يفاقم المعاناة
وجاءت مشكلة ارتفاع درجات الحرارة لتزيد من المعاناة، فقد باتت الحرارة تصل إلى 43 أو 45 درجة مئوية في فصل الصيف، وفي ظل غياب أنظمة التبريد الحديثة، يجد مزارعو الدواجن أنفسهم في صراع مستمر للحفاظ على حياة الطيور، ومع نقص المعدات المتخصصة مثل خلايا التبريد والشفاطات، يلجأ بعضهم إلى وسائل بدائية مثل رذاذ المياه، التي لا تكفي لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة.
وأدت درجات الحرارة المرتفعة أيضاً إلى انتشار أمراض أخرى غير نيوكاسل بين الدواجن مثل التهاب الشعب الهوائية المعدي (البرونشيت).
وعلى الرغم من غياب إحصائيات دقيقة حول حجم الخسائر الناجمة عن موجات الحرارة، يُقدّر أن نسبة النفوق في بعض المداجن وصلت إلى 70% خلال عام 2023.
وفي عام 2024، توقفت نحو 70% من مداجن المنطقة عن العمل، نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة والهجمات التركية المستمرة التي استهدفت محطات الطاقة وآبار النفط.
كما عانى المربون من انخفاض مخصصات المحروقات وارتفاع أسعار الأعلاف، التي تشكل نحو 65% من تكاليف الإنتاج، وتراوحت خسائر بعض المربين بين 8,000 و13,000 دولار أمريكي بسبب نفوق الطيور وارتفاع تكاليف الأعلاف والمحروقات.
إذ واصلت الأسعار ارتفاعها، وبلغ سعر طن العلف حينها نحو 670 دولاراً، في حين وصل سعر ليتر المازوت إلى 5,000 ليرة سورية.
اقرأ أيضاً: انهيار زراعة الحمضيات في سوريا.. من يعالج مشاكل المزارعين؟
أول ظهور لفيروس نيوكاسل في سوريا
ظهر فيروس نيوكاسل لأول مرة في 26 شباط 2021 في منطقة جل آغا (الجوادية) بريف القامشلي، شمال شرق سوريا، ولم تكن الخسائر كبيرة في ذلك العام.
وعلى الرغم من عدم تسجيل أي حالات إصابة بالفيروس خلال عام 2022 في مختلف أنحاء سوريا، عاد الفيروس للظهور في حزيران 2023، إذ أفادت التقارير الإعلامية الحكومية وغير الحكومية بتسجيل حالات نفوق للدواجن نتيجة فيروس نيوكاسل القادم من تركيا.
وحتى اللحظة، تواجه سوريا تحديات هائلة تعرقل قدرتها على التعامل مع مرض نيوكاسل بين الدواجن، ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والظروف السيئة التي يعاني منها القطاع البيطري، يحتاج المربون في سوريا إلى دعم محلي ودولي لتطوير قدراتهم في مواجهة مثل هذه الأوبئة.
وإذا استمرت الأوضاع على هذا النحو، فإن قطاع الدواجن، الذي يعد أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد في بعض مناطق سوريا، مهدد بالانهيار، وهذا سيؤدي إلى فقدان مصدر رئيسي للغذاء وفرص العمل، ما يعمق الأزمة الاقتصادية بشكل أكبر.
اقرأ أيضاً: القمح السوري: مواصفات عالمية تحجبها التحديات!