شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن في أبريل/نيسان 2025 حدثاً بارزاً تمثل في عودة سوريا إلى المشاركة في “اجتماعات الربيع” السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، وذلك لأول مرة منذ أكثر من أربعة عقود.
وتأتي هذه المشاركة في مرحلة مفصلية تشهدها البلاد، عقب تغييرات سياسية جذرية، وفي ظل تحديات اقتصادية كبرى، تتصدرها الحاجة الملحة لإعادة الإعمار والعقوبات الدولية المفروضة منذ سنوات.
ومثل الوفد السوري، الذي ضم وزير المالية محمد يسر برنية ومحافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أول حضور رسمي للإدارة السورية الجديدة في الولايات المتحدة، حاملاً معه تطلعات لإعادة دمج سوريا في النظام المالي والاقتصادي العالمي، وتعزيز التواصل مع المؤسسات الدولية والدول المانحة.
ولم تقتصر هذه الخطوة على كونها مشاركة في مؤتمر اقتصادي، بل حملت دلالات سياسية عميقة، وسط ترقب السوريين، الذين يعاني أكثر من 90% منهم من الفقر، لأي نتائج قد تسهم في تحسين أوضاعهم المعيشية الصعبة.
ماهي اجتماعات الربيع ودورها في الاقتصاد العالمي؟
قبل الخوض في تفاصيل المشاركة السورية، من الضروري توضيح طبيعة هذه الفعاليات.
تعد اجتماعات الربيع حدثاً سنوياً مشتركاً ينظمه صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، حيث يجمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من 190 دولة، إلى جانب مسؤولين رفيعي المستوى من القطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.
وتعقد هذه الاجتماعات عادة في نيسان بواشنطن، وتهدف إلى مناقشة القضايا الاقتصادية العالمية الملحة، مثل آفاق النمو، والاستقرار المالي، والتنمية، والحد من الفقر، والتغير المناخي.
أما مجموعة البنك الدولي، فهي تعرّف نفسها بأنّها مؤسسة تنموية دولية كبرى تقدم القروض والمساعدات الفنية للدول النامية بهدف الحد من الفقر وتعزيز الرخاء المشترك.
في المقابل، فالمهام المعلنة المنوطة بصندوق النقد الدولي هي التركيز على استقرار النظام النقدي العالمي، وتقديم المشورة والدعم المالي للدول التي تواجه صعوبات في ميزان المدفوعات.
توافق دولي على دعم سوريا لكن بشروط!
حظيت مشاركة سوريا في الاجتماعات باهتمام دولي بارز، حيث نظمت طاولة مستديرة رفيعة المستوى لبحث سبل دعم الاقتصاد السوري، بمبادرة من المملكة العربية السعودية وحشد دولي واسع.
وشهد الاجتماع حضور ممثلين عن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، ودول عربية، ومؤسسات تمويل دولية وإقليمية، إضافةً إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي بيان مشترك، أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورغييفا، ورئيس مجموعة البنك الدولي أجاي بانغا، على وجود توافق دولي بشأن أولوية دعم الشعب السوري.
وركز الدعم المطروح على إعادة بناء المؤسسات السورية، تعزيز الحوكمة والشفافية، تطوير السياسات العامة، تشجيع القطاع الخاص، وخلق فرص عمل.
وفي خطوة عملية لافتة، كشفت عنها وكالة الأنباء السعودية (واس)، أعلنت المملكة العربية السعودية ودولة قطر عن سداد المتأخرات المستحقة على سوريا لصالح البنك الدولي، والتي تقدر بنحو 15 مليون دولار، مما يمهد الطريق أمام دمشق للاستفادة مجدداً من منح البنك الدولي ودعمه الفني.
كما دعا البلدين المؤسسات المالية الدولية والإقليمية إلى سرعة استئناف وتوسيع أعمالها التنموية في سوريا تحقيقًا لطموحات الشعب السوري في مستقبل واعد ومساهمةً في استقرار المنطقة وازدهارها.
من جانبها أعربت سوريا عن شكرها وتقديرها العميق لكلٍ من السعودية وقطر على مبادرتهما الأخوية الكريمة بالإعلان عن سداد هذه المتأخرات، معتبرةً أن ذلك يفتح الباب أمام تفعيل التعاون مع المؤسسات الدولية بما يخدم مسار التعافي وإعادة الإعمار، وفقاً لبيان صادر عن «الخارجية» السورية.
وبالتوازي مع ذلك، وفي تطور يعكس تحولاً في العلاقة وبداية حوار اقتصادي بناء، تم تعيين الاقتصادي المخضرم رون فان رودن رئيساً لبعثة صندوق النقد الدولي إلى سوريا، في خطوة هي الأولى منذ عقود.
اقرأ أيضاً: جهود سعودية لتسوية ديون سوريا.. خطوة نحو إعادة الإعمار تنتظر التأكيد
الإصلاحات الداخلية وتحدي العقوبات
أكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، أن بلاده لا تسعى حالياً لطلب قروض من المؤسسات الدولية، بل تركز على الدعم الفني وبناء القدرات ونقل المعرفة لدعم جهود الإصلاح الاقتصادي.
كما شدد على التزام الحكومة السورية بتحديث الإدارة المالية، تعزيز الشفافية، مكافحة الفساد، وتطبيق المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأشار برنية إلى وصول بعثات فنية دولية مرتقبة إلى سوريا لتقييم الاحتياجات ووضع خطط عمل، مع التركيز على الأولويات الملحة كالطاقة والكهرباء وإعادة بناء المؤسسات.
من جانبها، أكدت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورغييفا، على أهمية اللقاءات التي جرت مع الوفد السوري، مشيرة إلى أن المناقشات ركزت على الحاجة الماسة لبيانات اقتصادية موثوقة، وإعادة بناء قدرات مصرف سوريا المركزي، وتعزيز قدرة الدولة على توليد الإيرادات، كما شددت على أن تحرك الصندوق في سوريا سيكون “حذراً” ويتطلب تقييماً دقيقاً للوضع.
ويبقى ملف العقوبات الدولية التحدي الأبرز أمام جهود التعافي وإعادة الإعمار. ورغم بعض خطوات التخفيف التي اتخذتها بريطانيا والاتحاد الأوروبي مؤخراً، أكد الوزير برنية أنها غير كافية، مشدداً على أن المسوغات السياسية والأخلاقية والاقتصادية لاستمرار هذه العقوبات لم تعد قائمة في ظل الواقع الجديد.
ويأمل المسؤولون السوريون أن تسهم المشاركة في اجتماعات الربيع والحوار مع المجتمع الدولي في الدفع نحو تخفيف أو رفع هذه العقوبات التي تعرقل وصول التمويل والاستثمارات اللازمة.
اقرأ أيضاً: تعيينات جديدة في وزارة الاقتصاد السورية.. هل تسرع عجلة التنمية؟