وسط التحولات السياسية التي تشهدها سوريا بعد سقوط سلطة الأسد، تتجه الأنظار نحو تشكيل مجلس الشعب الجديد، كخطوة أساسية في بناء الدولة خلال المرحلة الانتقالية. وكشف أحمد القربي، الباحث في مركز الحوار السوري وعضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري، عن مشاورات جارية لاختيار أعضاء اللجنة المسؤولة عن تعيين ثلثي أعضاء مجلس الشعب، وفقاً لما نص عليه الإعلان الدستوري الصادر في 13 مارس 2025.
آلية تشكيل مجلس الشعب
بحسب المادة 24 من الإعلان الدستوري، يتم تشكيل لجنة مركزية تختار لجاناً ناخبة في كل محافظة، تتولى بدورها انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب. أما الثلث المتبقي، فيُعينه رئيس الجمهورية «لضمان التمثيل العادل والكفاءة».
وأوضح القربي أن الإعلان لم يحدد شروطاً معينة لاختيار أعضاء اللجنة المركزية أو عددهم، كما لم يضع شروطاً لاختيار أعضاء مجلس الشعب، تاركاً الأمر للجنة. المهم، كما أشار، أن يمثل الأعضاء جميع أطياف الشعب السوري، وألا يكون أحدهم قد ارتكب جرائم أو انتهاكات بحق المواطنين.
وعدّت الأوساط السياسية أن هذا التفصيل يترك المجال مفتوحاً لتفسيرات متعددة، معتبرين أنه غموض يثير انتقادات ترى أن عدم تحديد معايير واضحة قد يؤدي إلى تعيينات غير شفافة أو محسوبية.
التحديات والمرحلة الانتقالية
أوضح القربي أن اللجوء إلى أسلوب التعيين جاء نتيجة لعدم توفر إمكانية إجراء انتخابات حالياً، مؤكداً أن هذا الإجراء استثنائي خلال المرحلة الانتقالية التي تمتد لخمس سنوات، وبعدها يُفترض العودة إلى صناديق الاقتراع، إلا أن بعض المراقبين يرون أن هذا النهج قد يُستخدم لتكريس سلطة معينة أو تأجيل الإصلاحات السياسية المطلوبة على حد زعمهم.
كما أشار إلى أن الإعلان الدستوري لم يحدد عدد أعضاء مجلس الشعب، وأن القرار بهذا الخصوص سيصدر لاحقاً، مرجحاً أن يكون العدد أقل من 250 عضواً كما كان سابقاً، فيما أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن المجلس قد يتألف من 100 عضو فقط، مما يثير تساؤلات حول مدى تمثيل هذا العدد لجميع المكونات السورية.
دور اللجنة الدستورية
هذا وأكد القربي أن اللجنة التي وضعت الإعلان الدستوري ليس لها دور في اختيار اللجنة المركزية المسؤولة عن تعيين أعضاء مجلس الشعب، حيث انتهى دورها بعد وضع مسودة الإعلان والإعلان عنه. لكن هذا الكلام أثار تساؤلات على وسائل التواصل الاجتماعي حول الجهة التي ستشرف على تنفيذ بنود الإعلان وضمان الشفافية في تشكيل المجلس.
وشدد القربي على أهمية أن يكون ولاء مجلس الشعب لسوريا، وليس لسلطة بعينها، مضيفاً: «عانينا في السنوات الماضية من مجالس للتصفيق، وما نريده مجلساً يمثل السوريين ومصالحهم». ولاقى هذا الكلام ترحيباً من بعض النشطاء، الذين رأوا فيه توجهاً نحو إصلاح حقيقي، بينما اعتبره آخرون مجرد تصريح دعائي دون ضمانات عملية.
اقرأ أيضاً: ما هي مهام مجلس الإفتاء الجديد في سوريا؟!
ختاماً، وبينما يُعد تشكيل مجلس الشعب خطوة أساسية في بناء الدولة السورية الجديدة، فإن التأخير في تنفيذ هذه الخطوة، وغياب المعايير الواضحة، يثيران مخاوف من تكرار أخطاء الماضي. لكن مع استمرار العمل، يبقى الأمل معقوداً على تشكيل مجلس شعب يعكس تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والعدالة والديمقراطية. فالمطلوب الآن هو الشفافية والجدية في تنفيذ بنود الإعلان الدستوري، لضمان تمثيل حقيقي لجميع المكونات السورية، وتحقيق تطلعات الشعب نحو الحرية والعدالة والديمقراطية.