في خضم التحولات الجذرية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، برزت تركيا كلاعب رئيسي يسعى لتشكيل مستقبل البلاد بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية. ولكن خلقت عدة تصريحات متزامنة لعدد من المسؤولين الأتراك، توجسات لدى شريحة من السوريين.. أي دور تحاول لعبه تركيا في سوريا؟ وما التصريحات التركية وماذا جاء فيها؟ وهل هنالك منطق وصائي يتجاوز حدود السيادة السورية فيها؟
تركيا ووحدة سوريا
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نيسان/أبريل الجاري 2025 أن بلاده لن تسمح بتقسيم سوريا، مشدداً على أن أي طرف يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد سيجد تركيا والحكومة السورية في مواجهته. وأضاف أن عودة سوريا إلى ما قبل 8 ديسمبر 2024 «مستبعدة»، مؤكداً أن عهداً جديداً قد بدأ، وأن تركيا لن تسمح بتقسيم سوريا، سواء عبر إنشاء ما أسماه «ممر إرهابي» في الشمال على يد حزب العمال الكردستاني، أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكرديين PKK/PYD، أو من خلال محاولات أخرى لإنشاء كيانات منفصلة.
اقرأ أيضاً: تقسيم سوريا: الموقف التركي ودوافعه والتحديات التي تواجه البلاد
تصريحات أخرى للمسؤولين الأتراك..
في نيسان/أبريل من العام 2025، صدرت عن ثلاثة وزراء أتراك تصريحات متزامنة حول سوريا، تعكس تحولاً في الخطاب الرسمي التركي تجاه الملف السوري. فقد أكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن بلاده ترفض إقامة أي بنية فيدرالية على الأراضي السورية، مشدداً على ضرورة تفكيك كافة التشكيلات المسلحة، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ودمج عناصرها ضمن الجيش السوري.
ومن جانبه، أعلن وزير التجارة التركي، عمر بولات، خلال زيارة له إلى دمشق، أن تركيا ستبذل قصارى جهدها من أجل بناء سوريا حرة وجديدة، مؤكداً استعداد بلاده للتنسيق والتعاون لتحقيق تعاون استراتيجي وتكامل اقتصادي واجتماعي مع سوريا.
وبالتوازي، نفى وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، صحة المزاعم التي تحدثت عن وجود خطة لتوطين فلسطينيين من قطاع غزة في مخيمات تقع شمال سوريا، مؤكداً أن هذه الادعاءات عارية عن الصحة، وأن تركيا ترفض أي محاولات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية.
التحديات أمام الحكومة السورية الجديدة
وفي الحقيقة نظرت شريحة من السوريين إلى الكلام التركي السابق بوصفه تدخلاً في شؤون سيادية سورية، ولهذا فإنه رغم الدعم التركي المعلن للحكومة السورية الجديدة، يبدو أن هناك تحديات تواجه الحكومة الحالية في إثبات سيادتها واستقلالية قرارها. فرغم أنّ الكثير من التصريحات التركية ليست إشكالية في حد ذاتها، بل يمكن أن تتقاطع مع الأجندة الوطنية للحكومة السورية، مثل دعوة قسد للاندماج في الجيش السوري ورفض الفيدرالية ورفض التقسيم، فإنّ مبدأ قدرة السلطات التركية على إطلاق أحكام وتصريحات خاصة بالسوريين هي أمر يثير الحساسية لدى كثيرين.
كما أن التعاون التجاري بين البلدين، رغم فوائده، يجب أن يُبنى على أسس متكافئة تراعي مصالح الطرفين.
لكن يبقى الأمر، أنّه في ظل الدعم الإقليمي والدولي النسبي للحكومة السورية، تمتلك الحكومة السورية هامشاً من الحرية لتحديد أولوياتها الوطنية. ويمكنها أن تستثمر هذا الدعم في تعزيز سيادتها، وبناء مؤسساتها، وتحديد سياساتها بما يخدم مصالح الشعب السوري. كما يجب أن تسعى إلى إقامة علاقات متوازنة مع الدول المجاورة، تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.