تشهد سوريا مرحلة اقتصادية دقيقة تتسم بالتحولات والتحديات، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد والحاجة الملحة إلى إعادة البناء والتعافي الاقتصادي.
وفي هذا السياق، يكتسب فهم الأطر القانونية المنظمة لتأسيس الشركات أهمية قصوى كحجر الزاوية للنشاط الاقتصادي والاستثمار في هذه البيئة المتغيرة.
وتهدف هذه المقالة إلى تقديم دليل شامل للمهتمين ببدء أعمال تجارية في سوريا، من خلال استعراض الهياكل القانونية المتاحة وأهم الاعتبارات اللازمة.
قانون تأسيس الشركات في سوريا
يسمح القانون السوري بتأسيس عدة أنواع من الشركات، لكل منها خصائص ومتطلبات محددة، ويعتبر المرسوم التشريعي رقم 29 لعام 2011، المعروف بقانون الشركات، الإطار القانوني الرئيسي الذي ينظم تأسيس هذه الكيانات، إضافة إلى التعاميم والقرارات التي صدرت بعد سقوط سلطة الأسد، والتي عدلت قليلاً على ماورد في المرسوم.
وتشمل الأنواع الرئيسية للشركات المسموح بتأسيسها في سوريا شركة المساهمة العامة، التي يتطلب تأسيسها وجود عشرة مساهمين على الأقل، مع حد أدنى لرأس المال قدره مليار ليرة سورية.
أما شركة المساهمة الخاصة، فتحتاج إلى ثلاثة مساهمين أو اكثر، لكن الحد الأدنى لرأس مالها يبلغ 100 مليون ليرة سورية.
والشركة ذات المسؤولية المحدودة يمكن تأسيسها بشريكين أو أكثر، مع حد أدنى لرأس المال قدره 50 مليون ليرة سورية.
وشركة التضامن تتطلب شريكين على الأقل، مع رأس مال لا يقل عن 15 مليون ليرة سورية.
وشركة التوصية البسيطة تتكون من شركاء متضامنين وشركاء موصين، مع حد أدنى لرأس المال قدره 15 مليون ليرة سورية.
اقرأ أيضاً: لتسهيل الاستثمار في سوريا.. شروط جديدة لتسجيل الشركات محدودة المسؤولية
متطلبات تأسيس الشركات في سوريا
وفقًا لقرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رقم 288 لعام 2022، تم تحديد الحد الأدنى لرأس المال المطلوب لتأسيس الشركات بحيث يكون 50 مليون ليرة سورية للشركات محدودة المسؤولية، وللشركات ذات الشخص الواحد محدودة المسؤولية.
أما الشركات المساهمة المغفلة الخاصة، فيتطلب تأسيسها حدًا أدنى لرأس المال يبلغ 100 مليون ليرة سورية، في حين أن الشركات المساهمة المغفلة العامة تحتاج إلى مليار ليرة سورية.
وشركات التضامن والتوصية يجب أن يكون رأس مالها لا يقل عن 15 مليون ليرة سورية.
الوثائق المطلوبة لإتمام التسجيل
لتسجيل شركة في سوريا، يجب تقديم نسخ عن البطاقات الشخصية للمؤسسين السوريين أو جوازات السفر لغير السوريين، بالإضافة إلى نسخة مصدّقة من النظام الأساسي والسجل التجاري.
كما يشترط تقديم وثيقة تعيين المديرين في حال لم يتم تعيينهم ضمن النظام الأساسي للشركة.
وفي حال كان التأسيس يتم بموجب وكالة خاصة، تشترط الوزارة أن تكون الوكالة مصدّقة أصولاً لضمان قانونية الإجراء.
إجراءات التأسيس والتسجيل
تشمل إجراءات التأسيس والتسجيل تقديم طلب ترخيص إلى مديرية التجارة الداخلية مصحوبًا بالنظام الأساسي للشركة، يليه مراجعة وتسجيل النظام الأساسي، ثم الحصول على موافقة الوزير المختص.
وتكتمل الإجراءات بالتسجيل في محكمة البداية المدنية وإيداع رأس المال في أحد البنوك، ليتم بعد ذلك إصدار السجل التجاري من قبل أمانة السجل التجاري.
اقرأ أيضاً:اقتصاد السوق الحرة في سوريا: بين التفاؤل والواقع!
تحديات وفرص
ويواجه تأسيس الشركات في سوريا في الوقت الحالي تحديات وفرصًا متعددة، فمن ناحية التحديات، لا يزال الاقتصاد السوري يعاني من أزمة مستمرة تتجلى في التضخم المفرط وانخفاض قيمة العملة، مما يؤثر سلبًا على الشركات في تحديد الأسعار وإدارة التكاليف وتحقيق الربحية.
كما أن الأضرار الواسعة النطاق في البنية التحتية نتيجة سنوات الصراع تعيق العمليات التجارية وتزيد من التكاليف، ولا تزال المخاوف الأمنية قائمة في بعض المناطق، مما يثني الاستثمار ويعرقل الأنشطة التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تشكل الإجراءات البيروقراطية المعقدة وعدم اكتمال الهيكلية الإدارية صعوبات في تأسيس الشركات وتشغيلها، وتؤثر العقوبات المفروضة على سوريا أيضًا على المعاملات المالية والتجارة الدولية، مما يحد من وصول الشركات إلى الأسواق والأنظمة المالية العالمية.
وعلى صعيد الفرص، فإن هناك إمكانات كبيرة في جهود إعادة الإعمار والبناء في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وتسعى الحكومة السورية إلى تقديم حوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات محددة، على الرغم من الحاجة إلى التنقل بحذر في اللوائح والعقوبات.
كما أن هناك طلبًا متزايدًا على السلع والخدمات الأساسية في ظل تعافي الاقتصاد تدريجيًا.
ويمكن أن تشكل الشراكات مع الكيانات السورية المحلية فرصًا قيمة للاستفادة من المعرفة المحلية والوصول إلى السوق.
ختامًا، تتنوع أنواع الشركات التي يمكن تأسيسها في سوريا، ولكل منها هيكلها القانوني وخصائصها ومتطلباتها الخاصة.
ويتعين على أصحاب الأعمال والمستثمرين المحتملين دراسة هذه الهياكل بعناية وفهم متطلبات رأس المال والمسؤولية وإجراءات التسجيل.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والأمنية القائمة، إلا أن هناك فرصًا واعدة في سوريا، خاصة في قطاعات إعادة الإعمار والخدمات الأساسية.
ومن الضروري إجراء بحث شامل وبذل العناية الواجبة قبل اتخاذ قرار بتأسيس شركة في سوريا، مع التأكيد على أهمية البقاء على اطلاع دائم بأحدث القوانين واللوائح الصادرة.