الأحد 7 تموز/يوليو 2024
في آذار/مارس الفائت، نفى رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة قيصري التركية، صحة الإدعاءات التي تُروج لاحتمال انهيار الصناعة في المنطقة، في حال غادر السوريون. لكن صحيفة “يني شفق” التركية، قالت قبل يومين فقط، إن أحداث العنف والتخريب التي استهدفت السوريين في قيصري، الأسبوع الفائت، دفعت الشباب العاملين منهم لالتزام منازلهم، مما أدى لشلل الحركة الصناعية والتجارية في المدينة. ونقلت الصحيفة عن مصادر في قيصري، التي تعدّ واحدة من أكبر المدن الصناعية في تركيا، أن أصحاب المعامل فيها كانوا يجدون صعوبة في توفير أيادٍ عاملة، قبل مجيء السوريين، الذين سدوا هذه الثغرة، ولعبوا دوراً محورياً في دفع عجلة الصناعة والتجارة في المدينة.
هذه المفارقة غير المُدرَكة من جانب كثيرين من أصحاب القرار في مواقع المسؤولية بالمؤسسات التركية، تجعل الحاجة ملحة لقراءة الواقع بلغة الأرقام الموضوعية، بعيداً عن الخطاب الشعبوي للساسة. وبهذا الصدد، نرجع إلى ورقة بحثية مطوّلة، نشرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في أيلول/سبتمبر 2023، وأعدّها الدكتور في الاقتصاد، نبيل مرزوق، واستندت إلى مصادر بحثية تركية، بصورة أساسية.
ويشير البحث إلى تقييم أممي مفاده أن الأدلة الناشئة عالمياً بشكل متزايد تُظهر أن منح اللاجئين حرية العيش خارج المخيمات وتوفير الفرص لهم للاعتماد على الذات اقتصادياً، وحماية حقوقهم، يؤدي إلى فوائد اقتصادية للبلدان المُضيفة. لكن قيود القوانين والقرارات الإدارية التي اتسمت بها سياسات الدولة التركية تجاه الوجود السوري خلال السنوات التسع الفائتة، قلّصت من تلك الفوائد التي كان يمكن للاقتصاد التركي أن يجنيها. من دون أن يلغي ذلك، أن هناك مكاسب مُحقّقة بالفعل.
ويكشف البحث كيف أن نظام الأسد لعب دوراً في التأسيس لسلبيات الحالة السورية الراهنة في تركيا. فاستهدافه للمدارس، بغية إيقاع أكبر ألم ممكن بالمجتمعات المناوئة له، أدى إلى خروج شرائح واسعة من الأطفال من حقل التعليم. ومع حركة اللجوء الضخمة إلى تركيا، كانت النتيجة، خلق قوة عمل فَتيّة لكنها غير مؤهلة وغير مدرّبة مهنياً. ومع القيود التي فرضتها المؤسسات التركية على معادلة الشهادات والمؤهلات المهنية للسوريين، غادر الكثيرون من المؤهلين إلى أوروبا، لتزداد الشريحة غير المؤهلة ضمن العمالة السورية الناشئة في تركيا. أُضيف إلى ذلك تعقيدات منح تصاريح العمل، ووفق الأرقام المتوفرة فإن 5% فقط من قوة العمل السورية حصلت على تصاريح عمل رسمية حتى العام 2019. وكان كثير من تصاريح العمل يأتي مع الرفض من دون أسباب مفهومة. فكانت النتيجة أن اتجه الجانب الأكبر من قوة العمل السورية إلى القطاع غير النظامي. وزاد سماسرة العمل من تعقيد المشهد، إذ فضّلوا العمالة السورية نظراً لقبولها بأجور أقل جراء الأوضاع المتردية اقتصادياً التي تعيش فيها أسرهم، إذ أن 45% من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهو معدل أعلى بكثير من معدل الفقر الكلي في تركيا، عام 2019، والبالغ 12.6%. ويحصل الأتراك في القطاع غير النظامي، في المتوسط، على أجور أعلى من السوريين بنسبة 63%. مما أضرّ بفرص العمل المتاحة للعمالة التركية متدنية المهارة، وأذكى التوتر في أوساطهم حيال نظرائهم السوريين. خاصة إذا علمنا أن نسبة العمالة غير النظامية في تركيا، كبيرة، وتصل إلى نحو 21% بشكل عام، وتصل إلى أكثر من 50% في المناطق المستقبلة للاجئين، وفق أرقام ترجع إلى ما قبل قدوم السوريين. وزادت القيود على التنقل التي فرضتها الدولة التركية على السوريين، من تركّزهم في ولايات ومدن محددة، مسببين ضرراً أكبر للعمالة التركية غير المؤهلة في تلك المناطق. وذلك رغم أن قوة العمل السورية لا تشكّل أكثر من 2.9% من مجموع العمالة في تركيا.
ووفق دراسة تركية، فإن دخول 10 سوريين، إلى سوق العمل غير النظامي، يتسبب بفقدان 2 إلى 3 فرص عمل للعمالة التركية في القطاع غير النظامي. لكن الدراسة ذاتها تؤكد أن دخول 10 سوريين إلى سوق العمل يولّد حوالي 5.5 فرصة عمل للأتراك، بشكل عام. أي أن ضرر العمالة السورية ينعكس حصراً على نظيرتها من العمالة التركية متدنية المؤهلات والناشطة في القطاع غير النظامي. ووفق الدراسة التركية، فإن زيادة المهاجرين بنسبة 10% من السكان الأصليين تؤدي إلى زيادة عدد الشركات بنحو 25%، وزيادة أعداد الملكيات الذاتية بنحو 22%. أي أن الحصيلة الإجمالية للعمالة السورية إيجابية بالنسبة للاقتصاد التركي، لكنها تنعكس سلباً على فئات محددة من العمالة التركية.
ما سبق يكشف أن سبب المعضلة الرئيسية الناجمة عن دخول قوة العمل السورية إلى السوق التركية، هو عدم تنظيمها. وتشير ورقة البحث الصادرة عن مركز حرمون إلى مكاسب تنظيم هذه القوة. فالخزينة العامة التركية تخسر ما يعادل 32.5% من الضرائب على أجور 700 ألف من العمال السوريين في القطاع غير النظامي. ولو أُتيح تنظيم عمل هؤلاء بشكل قانوني، لزادت إيرادات مؤسسة التأمينات الاجتماعية التركية بنسبة 2.2%.
وفي محاكاة أجراها فريق بحثي جامعي تركي، عام 2017، خلصوا إلى أن القيمة المضافة الناجمة عن عمل السوريين تمثّل 1.96% من الناتج المحلي الإجمالي لذلك العام. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا التأثير إلى نحو 4% في العام 2028.
وهكذا يتضح أن القوانين والقرارات الإدارية التقييدية للعمالة السورية، تتسبب بأضرار للعمالة ذاتها، وللعمالة التركية النظيرة لها، وللخزينة العامة التركية أيضاً. وتبقى مسؤولية حل هذه المعضلة، في الانتباه إليها أساساً من جانب أصحاب القرار في مؤسسات الدولة التركية، بدلاً من البحث عن سبل للتخلص من عمالة تضيف مكاسب للاقتصاد التركي الإجمالي، وفق ما أقرّ به باحثون أتراك.
المصدر: المدن
- إياد الجعفري كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.