في خطوة لافتة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية السورية، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء السوري في السادس من فبراير 2025 قرارًا بحل اتحاد الصحفيين السوريين، الذي يعد أحد أبرز الهيئات النقابية في البلاد، وتشكيل مكتب مؤقت لإدارته.
وجاء هذا القرار في سياق مساعٍ حكومية لإعادة هيكلة الاتحاد، الذي واجه انتقادات لسنوات بسبب افتقاره للاستقلالية وعجزه عن حماية الصحفيين في ظل التحديات المتصاعدة.
وينظر البعض إلى هذه الخطوة كمحاولة لاستعادة دور الاتحاد في دعم الحريات الإعلامية، خاصة مع تعيين المحامي الحقوقي البارز محمود الشحود رئيسًا للمكتب المؤقت، إلى جانب ستة أعضاء آخرين يمثلون تيارات صحفية متنوعة. لكن السؤال يبقى مطروحاً بانتظار الإجابة إن كان سيؤدي هذا التغيير إلى واقع جديد، أم أنّه سيبقى أسيراً لإرثه القديم مع تغيّر في الأسماء.
من هو محمود الشحود؟
يعتبر محمود الشحود، رئيس المكتب المؤقت، أحد أبرز الوجوه الحقوقية الناشطة في الدفاع عن الصحفيين، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام المخلوع سابقًا.
عمل الشحود لسنوات كمحامٍ متخصص في القضايا الإعلامية، حيث ساهم في توثيق الانتهاكات بحق الإعلاميين، وقدم الدعم القانوني لعشرات الحالات التي تعرضت للاعتقال أو الملاحقة.
ويعوّل الكثيرون عليه في تعزيز استقلالية الاتحاد، وبناء جسور الثقة مع الصحفيين، وتبني سياسات واضحة لتعزيز حماية الحريات الإعلامية.
تنوع الخبرات وتوحيد الأهداف
يضم المكتب المؤقت مجموعةً من الوجوه الإعلامية والحقوقية البارزة، التي تعكس تنوع الخبرات والتجارب في المشهد الصحفي السوري.
إلى جانب الشحود، يبرز العضو إسماعيل الرج، أحد مؤسسي “اتحاد إعلاميي حلب”، الذي لعب دورًا محوريًّا في تنظيم العمل الإعلامي بالمناطق المحررة، بينما يعد براء عثمان، مؤسس “رابطة صحفيي الغوطة”، رمزًا في توثيق الانتهاكات خلال سنوات الحرب.
كما يشمل الفريق ميلاد فضل، الصحفي المخضرم الذي عمل مراسلًا لقنوات دولية، وماجد عبد النور، الحاصل على ماجستير في العلاقات الدولية، والذي ركز على توثيق الانتهاكات ضد الإعلاميين.
بالإضافة إلى محمود أبو راس وعلي الأمين، اللذين يسهمان بخبراتهما في تعزيز حضور الاتحاد كمظلةٍ جامعة للصحفيين السوريين.
يبرز هذا التنوع آراءً متعددة تؤكد أن التركيبة الجديدة للمكتب المؤقت ليست مجرد “تغيير إداري”، بل محاولة لخلق تمثيل عادل لقطاعات الصحفيين، وتعزيز الشفافية، وإعادة بناء الاتحاد على أسسٍ تنصف المهنة في زمنٍ يحتاج فيه الإعلاميون إلى من يُدافع عنهم.
اقرأ أيضاً: مجلس الوزراء يحل اتحاد الصحفيين ويشكل بديلاً عنه
من التبعية إلى الاستقلالية.. هل يتحقق الحلم؟
منذ تأسيسه، ارتبط اتحاد الصحفيين السوريين بالهيكل الحكومي، مما جعله عاجزًا عن الدفاع عن حرية التعبير أو توفير غطاء قانوني للعاملين في الحقل الإعلامي.
ومع تعيين المكتب المؤقت، تطرح تساؤلات حول إمكانية تحول الاتحاد إلى كيان مستقل، قادر على مواجهة التحديات الحالية، مثل الرقابة الذاتية، والتهديدات الأمنية، والأزمات الاقتصادية التي تؤثر على استدامة العمل الصحفي.
ويأمل كثيرون أن تكون هذه الخطوة بوابة لتعزيز الشفافية، وتحسين ظروف العمل، وتمثيل الصحفيين بمختلف توجهاتهم.
طريق مليء بالعقبات
رغم التفاؤل الحذر، لا تزال التحديات جسيمة، أولًا، يحتاج الاتحاد إلى تحديث نظامه الداخلي لضمان مشاركة أوسع للصحفيين في صنع القرار، بعيدًا عن المركزية السابقة.
وثانيًا، يواجه ضغوطًا لتعزيز الحماية القانونية للإعلاميين، لا سيما في ظل استمرار الاعتقالات والمضايقات.
وثالثًا، تعتبر الأزمة الاقتصادية عائقًا أمام توفير الدعم المادي والتقني للصحفيين، خاصة مع تراجع تمويل المؤسسات الإعلامية الدولية.
وأخيرًا، يتعين على الاتحاد استعادة ثقة الصحفيين الذين فقدوا الأمل في قدرته على التغيير.
انتظارات المرحلة المقبلة
تشكيل المكتب المؤقت لاتحاد الصحفيين السوريين يمثل فرصة لطي صفحة الماضي، وإعادة تعريف دور الاتحاد كحامي لحرية الصحافة وداعم للإعلاميين.
ومع ذلك، يرى مراقبون إن نجاح هذه المرحلة يعتمد على قدرة القيادة الجديدة على تجاوز التجاذبات السياسية، والاستجابة لتطلعات الصحفيين، وبناء شراكات استراتيجية تضمن استقلالية العمل الإعلامي.
فالسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سيترجم هذا التغيير الإداري إلى واقع ملموس، أم سيظل الاتحاد أسيرًا لإرثه السابق؟ الإجابة تكمن في مدى جرأة المكتب المؤقت على اتخاذ خطوات فعلية نحو الإصلاح، بعيدًا عن الشعارات.
اقرأ أيضاً: وزارة التربية والتعليم في سوريا تحدد أوقات الدوام المدرسي خلال شهر رمضان