تشهد العلاقات التجارية بين سوريا ودول الإقليم تطورات متسارعة، مع توقعات بزيادة التبادل التجاري في ظل تحولات سياسية واقتصادية جديدة، ويأتي ذلك بالتزامن مع التوجه السوري نحو الانفتاح الاقتصادي، بعد سنوات من التحديات التي أثرت على النشاط التجاري والاستثماري.
السعودية وسوريا: نمو مرتقب في التجارة والاستثمار
العلاقات التجارية بين السعودية وسوريا مرشحة للنمو خلال المرحلة المقبلة، مدفوعة بعودة التقارب السياسي بين البلدين وجهود إعادة الإعمار في سوريا.
وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، بلغ حجم التجارة البينية بين البلدين 9.1 مليار ريال سعودي خلال العقد الماضي، مع فائض ميزان تجاري لصالح سوريا بلغ 6.8 مليار ريال.
وفي عام 2024، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 1.2 مليار ريال، مع فائض لصالح سوريا بقيمة 135 مليون ريال.
وتشمل الصادرات السعودية إلى سوريا منتجات مثل اللدائن، والبن، والشاي، والمنتجات الكيماوية، ومواد البناء، بينما تتركز وارداتها من سوريا في المنتجات الزراعية مثل الفواكه، والزيوت النباتية، ومحضرات الخضر.
وفي المقابل، سجل الاستثمار الأجنبي المباشر بين البلدين نحو 3.5 مليار ريال خلال الأعوام الخمسة الماضية، مع تسجيل مليار ريال في 2023 وحده، ما يعكس اهتمام المستثمرين السعوديين بالسوق السورية.
وتسعى السعودية أيضًا لدفع العقبات أمام سوريا، ما قد يفتح المجال أمام تدفقات استثمارية جديدة، كما جاءت الجنسية السورية في المرتبة الرابعة بين الجنسيات الحاصلة على تراخيص استثمارية في السعودية خلال الربع الثالث من 2024، ما يعكس رغبة رجال الأعمال السوريين في تعزيز وجودهم داخل السوق السعودية.
اقرأ أيضاً: كيف ينوي وزير الاقتصاد الجديد «اختراع سوريا»؟
التجارة السورية التركية: عودة تدريجية رغم التحديات
تركيا تعد شريكًا اقتصاديًا مهمًا لسوريا، حيث شهد حجم التبادل التجاري بين البلدين قفزة من 250-300 مليون دولار قبل 2011 إلى 2.5 مليار دولار في 2024. وتسعى تركيا لزيادة هذا الرقم إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القادمة، بحسب مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي.
وتركز الصادرات التركية إلى سوريا على الحديد، والصلب، والبلاستيك، بينما تصدر سوريا القطن وزيت الزيتون، ومع أن التبادل التجاري عاد تدريجياً، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات مرتبطة بالأوضاع السياسية والحدود المشتركة.
العراق وسوريا: تكامل اقتصادي وفرص جديدة
العراق من أبرز الشركاء التجاريين لسوريا، ويتوقع أن يشهد التبادل التجاري بينهما انتعاشًا ملحوظًا، فبعد أن تراوح حجمه بين مليار و3 مليارات دولار سنويًا بعد 2010، بدأت المؤشرات تشير إلى إمكانية عودته إلى مستويات ما قبل الأزمة، والتي بلغت 8 مليارات دولار سنويًا.
ويشكل العراق موردًا رئيسيًا لمواد البناء، حيث بلغ إنتاجه من الإسمنت 10.2 مليون طن في 2024، بزيادة 7% مقارنة بعام 2023. كما ينتج العراق نحو مليوني طن من حديد التسليح سنويًا، مما يمنحه فرصة كبيرة للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار السورية.
إلى جانب ذلك، تعتبر الإمدادات النفطية العراقية عنصرًا أساسيًا في العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فالعراق كان يزود سوريا بـ 33 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، إضافة إلى 120 ألف طن من النفط الأسود شهريًا، قبل أن تتوقف الإمدادات بسبب التغيرات السياسية.
وبعد توقف صادرات النفط الإيرانية إلى سوريا، يرى البعض بأنّ العراق يجب أن يستفيد من الوضع ويسعى لسد الفجوة النفطية.
اقرأ أيضاً: لتحسين الوضع الاقتصادي.. مصرف سوريا المركزي يتخذ خطوات هامة
التحديات والعقبات أمام توسيع التجارة
رغم الفرص الاقتصادية الواعدة، تواجه التجارة السورية مع دول الإقليم تحديات عدة، أبرزها العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، والتي تعيق تدفقات الاستثمار، وتؤثر على قدرة البلاد في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية.
كما يشكل الوضع الأمني في بعض المناطق السورية تحديًا للمستثمرين، لا سيما في ظل الحاجة إلى ضمان استقرار طويل الأمد لجذب استثمارات مستدامة.
ومن جهة أخرى، يشكل التمويل أحد أبرز العوائق أمام مشاريع إعادة الإعمار، وهناك أرصدة سورية مجمدة في البنوك الدولية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، منها 112 مليون دولار في سويسرا، وما بين 40 و60 مليار دولار في لبنان. واستعادة هذه الأموال قد تساهم في تمويل جزء من المشاريع، لكن الأمر يتطلب جهودًا قانونية ودبلوماسية معقدة.
نظرة مستقبلية
في ظل التقارب السياسي بين سوريا ودول الإقليم، تبدو الفرص مهيأة لانتعاش النشاط التجاري وزيادة الاستثمارات، خاصة في القطاعات المرتبطة بإعادة الإعمار والطاقة والزراعة.
ولكن تحقيق هذه التوقعات مرهون بتطورات المشهد السياسي والاقتصادي، ومدى قدرة سوريا على تجاوز العقوبات وجذب الاستثمارات الأجنبية.
إذا نجحت دمشق في تعزيز التكامل الاقتصادي مع شركائها الإقليميين، فقد يشهد الاقتصاد السوري تحولًا كبيرًا خلال السنوات المقبلة، ما يفتح الباب أمام استعادة البلاد لدورها التجاري في المنطقة، بعد أكثر من عقد من التحديات.
اقرأ أيضاً: الليرة الرقمية السورية: ضرورة اقتصادية أم رفاهية؟