سجلت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا مؤخراً، عودة نحو 11 ألف مواطن سوري من تركيا عبر معبر كسب الحدودي، وذلك منذ إعادة افتتاحه بعد سقوط نظام الأسد، مؤكدةً استمرار تقديم التسهيلات اللازمة لضمان عودتهم بأمان ويسر.
وكانت السلطات التركية قد أعلنت في أواخر كانون الأول 2024 فتح معبر “يايلاداغي”، المقابل لمعبر كسب في ريف اللاذقية، في خطوة تسهم بتسهيل تنقل السوريين المقيمين في تركيا، ما سمح ببدء حركة عبور نشطة نحو سوريا.
وقد أسهم افتتاح المعبر في تقليل معاناة الأهالي القادمين إلى الساحل السوري، إذ كان أبناء اللاذقية في السابق يضطرون إلى استخدام معبري “الحمام” و”الراعي”، ما كان يستغرق أكثر من خمس ساعات للوصول إلى مدنهم، أما اليوم، أصبح بإمكانهم اجتياز المسافة من ولاية هاتاي التركية إلى اللاذقية خلال نحو ساعة ونصف فقط.
وفيما يتعلق بأبناء محافظة إدلب، سمحت إدارة الهجرة التركية لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) والمجنسين، بزيارة سوريا ثلاث مرات خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى تموز 2025، من أجل زيارة منازلهم وتفقدها، خاصة في المناطق التي تضررت جراء الحرب، وسط آمال بأن تتوسع هذه التسهيلات مستقبلاً لتشمل السماح للعائلات كاملة بالزيارة، بدلاً من اقتصارها على فرد واحد فقط من كل أسرة كما هو معمول به في الوقت الحالي.
اقرأ أيضاً: رفع القيود على تصدير البضائع السورية لتركيا والأردن
أهمية معبر كسب
يقع معبر كسب الحدودي بين بلدة كسب السورية في محافظة اللاذقية وبلدة يايلاداغي التركية في ولاية هاتاي، وهو من المعابر الحيوية التي تربط سوريا بتركيا.
بدأ العمل على إنشائه عام 1986، وافتُتِح رسمياً عام 1988، ليؤدي دوراً أساسياً في حركة عبور الأفراد والمركبات الخاصة ووسائط النقل العامة، واستقبال الشاحنات عبر فرع الشحن.
وقد شهد معبر كسب عدة إغلاقات منذ ذلك الوقت، نتيجة التطورات السياسية بين البلدين، وكان آخرها عام 2012، واستمر هذا الإغلاق لأكثر من عقد.
وقبل إغلاقه، أسهم المعبر بشكل كبير في دعم الاقتصاد السوري من خلال تصدير البضائع إلى تركيا ومنها إلى الأسواق الأوروبية، كما شكّل مساراً حيوياً للحركة السياحية بين الجانبين.
ورغم إعادة افتتاح المعبر مؤخراً أمام السوريين، إلا أن هناك تحديات كبيرة ما تزال قائمة، فالمرحلة المقبلة تتطلب جهوداً مكثفة لإعادة تأهيل البنية التحتية، وتوفير الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه، إضافة إلى تأمين فرص عمل للنازحين العائدين إلى مناطقهم.
اقرأ أيضاً: تضم خمس دول.. تركيا تكشف عن «آلية إقليمية» بإدارة سورية وهدف محدّد!
عودة آلاف اللاجئين السوريين
في تقريرها الأخير، وثقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة واسعة للسوريين من دول الجوار إلى بلادهم، فقد عاد نحو 437 ألفاً و226 سورياً إلى سوريا بين 8 كانون الأول 2024 و17 نيسان الجاري.
وبحسب التقرير، سجلت تركيا عودة حوالي 175 ألفاً و512 سورياً حتى 13 نيسان، أي ما يعادل قرابة 33 ألف عائلة، وفقاً لما أعلنه وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا في 16 من الشهر نفسه.
كما لفت وزير الداخلية إلى أن عدد السوريين المسجلين تحت بند الحماية المؤقتة في تركيا عند سقوط النظام السوري كان يبلغ قرابة مليونين و936 ألف شخص، مع توقعات بمزيد من الانخفاض مع تزايد موجات العودة الطوعية.
رغم ذلك، يسود القلق بين أوساط السوريين المتبقين في تركيا، مع تزايد الشائعات التي تتحدث عن احتمال إلغاء نظام الحماية المؤقتة مع نهاية حزيران المقبل، خاصةً في ظل المتغيرات السياسية الأخيرة التي قد تغير وضعهم القانوني جذرياً.
اقرأ أيضاً: السوريون في ألمانيا: بين تراجع الأعداد ورحلة اندماج ناجحة
لماذا يفضل بعض السوريون البقاء في تركيا؟
مع تزايد أعداد السوريين العائدين إلى دمشق بعد سقوط نظام الأسد، يتمسك العديد من اللاجئين في تركيا بخيار البقاء، مستفيدين من سياسة الترحيب التي تتبناها الحكومة التركية، والتي أكدت مراراً من خلال تصريحات رسمية عدم إجبار أي لاجئ على العودة، مع تقديم تسهيلات متعددة للراغبين في العودة الطوعية.
ويعود سبب تمسك العديد من اللاجئين بالبقاء في تركيا إلى أسباب اقتصادية وأمنية معقدة، إذ يتعلق بعضها بالأوضاع الصعبة في سوريا من الناحية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، فضلاً عن غياب فرص العمل، وارتفاع تكاليف المعيشة، بينما يرتبط بعضها الآخر بفرص الاندماج والتعليم والمشاريع الاقتصادية المتاحة في تركيا.
ويشير مراقبون وخبراء سوريون وأتراك إلى أن السلطات التركية تدرك أن بعض السوريين يفضلون البقاء في تركيا في الوقت الحالي، مؤكدين أن من مصلحة تركيا بقاءهم، خصوصاً أولئك الذين يمتلكون مشاريع خاصة أو لديهم كفاءات مهنية تساهم في دفع الاقتصاد المحلي.
اقرأ أيضاً: هل تتجاوز تركيا حدود السيادة السورية؟!
تحركات تركية لتفعيل حركة التجارة عبر الحدود
ومع استمرار عبور السوريون من معبر كسب، يظل النشاط التجاري في المعبر معلقاً منذ أكثر من 13 عاماً، لكن قد يكون هذا الوضع على وشك التغيير، إذ أعلن وزير التجارة التركي، عمر بولات، في يناير الماضي عن قرب افتتاح معبر “يايلاداغي” أمام الحركة التجارية، بعد الانتهاء من أعمال التحديث والتوسيع التي يجريها المعبر.
ومؤخراً، كشف موقع بزنس 2 بزنس عن تصريحات رئيس غرفة تجارة وصناعة هاتاي، حكمت تشينتشين، الذي أكد أن التبادل التجاري عبر معبر “يايلاداغي”، المقابل لمعبر كسب، سيبدأ قريباً، وأضاف أن وزارة التجارة التركية تعمل على تطوير البنية التحتية للمعبر ليكون جاهزاً لعبور البضائع والمركبات التجارية.
ومن المتوقع أن تساهم عودة تشغيل المعبر في انتعاش حركة التجارة بين تركيا وسوريا، خاصة في مجالات الإسمنت، الحديد والرخام، ما يعزز جهود إعادة الإعمار في سوريا.
ختاماً، رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها السوريون في مسار العودة إلى البلاد، يبقى الأمل في تحركات جديدة إيجابية تسهم في تحسين ظروفهم، سواء عبر تسهيلات العودة أو دعم جهود إعادة الإعمار.
اقرأ أيضاً: خطة أممية لإعادة إعمار سوريا.. ما هي وماذا تتضمن؟