تُعتبر الثروة السمكية في سوريا جزءاً مهماً من القطاع الزراعي، حيث تُساهم في توفير الغذاء وفرص العمل وتحقيق التوازن البيئي. وعلى الرغم من امتلاك سوريا لساحل يمتد على البحر الأبيض المتوسط، إلا أن إنتاجها السمكي لا يزال دون المستوى المطلوب مقارنة بالإمكانات المتاحة. في هذا المقال، سنستعرض واقع الثروة السمكية في سوريا، والتحديات التي تواجهها…
تتميز المياه البحرية السورية بتنوع بيولوجي غني، حيث تم تسجيل 224 نوعاً من الأسماك العظمية و49 نوعاً من الأسماك الغضروفية، موزعة على 75 جنساً و18 رتبة. ومن بين هذه الأنواع، هناك 38 نوعاً مهاجراً من البحر الأحمر والمحيط الهندي إلى الحوض الشرقي للبحر المتوسط، و14 نوعاً مهاجراً من الحوض الغربي للبحر المتوسط إلى المياه السورية، وذلك وفق منظمة الأغذية والزراعة «الفاو».
بالإضافة إلى الموارد البحرية، تمتلك سوريا مصادر ثروة سمكية داخلية متنوعة تشمل الأنهار والبحيرات والسدود. ففي حوض نهر العاصي، تم تسجيل 56 نوعاً من الأسماك العظمية تنتمي إلى 19 عائلة. وفي دراسات أخرى شملت البحيرات والأنهار السورية، تم إثبات وجود 95 نوعاً من أسماك المياه العذبة، تنتمي إلى 40 جنساً و15 عائلة وفق تقرير آخر لمنظمة «الفاو».
التحديات التي تواجه الثروة السمكية
وعلى الرغم من التنوع البيولوجي الغني، إلا أن الثروة السمكية في سوريا تواجه عدة تحديات تعيق استغلالها الأمثل، منها التلوث وتدهور النظم البيئية المائية، إذ يؤدي تلوث المياه وتدهور المواطن الطبيعية للأسماك إلى انخفاض أعدادها وتنوعها.
كذلك، يعد الصيد الجائر وغير المنظم من التحديات التي تواجه الثروة السمكية في سوريا، إذ يساهم الصيد المفرط واستخدام وسائل صيد غير قانونية في استنزاف المخزون السمكي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الوعي البيئي، وقلة الوعي بأهمية الحفاظ على الثروة السمكية يؤديان إلى ممارسات ضارة بالبيئة البحرية.
اقرأ أيضاً: مجلس الشعب يواصل مناقشة مشروع إحداث هيئة عامة للثروة السمكية ويقر بعضاً من مواده
لمواجهة هذه التحديات، تم اتخاذ عدة مبادرات وإجراءات تهدف إلى تعزيز الثروة السمكية في سوريا، ومنها مثلاً إطلاق مبادرات بيئية، ففي عام 2018، أطلقت مديرية البيئة في طرطوس بالتعاون مع جهات أخرى مبادرة بيئية لتحسين واقع النظافة في جزيرة أرواد تحت شعار «أرواد لؤلؤة الساحل». وتضمنت المبادرة نشاطات توعوية للمحافظة على البيئة البحرية وتعزيز التنوع الحيوي.
إلى جانب ذلك، سعت سوريا في مراحل سابقة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال، وذلك عبر العمل على التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية لتعزيز إدارة المصايد المستدامة وتبادل الخبرات والتقنيات الحديثة في مجال تربية الأحياء المائية.
وشملت الجهود تطوير البنية التحتية عبر تحسين الموانئ ومرافق الصيد وتوفير المعدات الحديثة للصيادين لزيادة كفاءة عمليات الصيد وتقليل الفاقد.
وبالتوازي مع العمل على البنية التحتية، لم تخلُ الجهود من العمل على توعية المجتمعات المحلية، وبذلت بعض الجهود لتوعية الصيادين والمجتمعات الساحلية بأهمية الحفاظ على الموارد السمكية وتبني ممارسات صيد مستدامة.
دور تربية الأحياء المائية
ووفق الدراسات والتقارير التي أنجزت بهذا الشأن، ومنها دراسة حملت العنوان التالي: «نحو تنفيذ الخطوط التوجيهية الطوعية لتأمين مصايد الأسماك صغيرة النطاق»، تُعتبر تربية الأحياء المائية من الحلول الواعدة لتعزيز الإنتاج السمكي في سوريا، فهي يمكن أن تساهم في تلبية الطلب المتزايد على الأسماك وتقليل الضغط على المصايد الطبيعية. لكن لتحقيق ذلك، ينبغي التركيز على:
- تطوير تقنيات التربية: استخدام تقنيات حديثة في تربية الأسماك لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات.
- تدريب الكوادر: تأهيل العاملين في مجال تربية الأحياء المائية وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة.
- توفير الدعم المالي: تقديم قروض ميسرة وحوافز للمستثمرين في مجال تربية الأحياء المائية.
اقرأ أيضاً: تقرير يكشف حالة فساد في «السورية للتجارة»: بيع 74 طن سمك إلى التجار بدل المواطنين
بالمحصلة، يمكن القول إن سوريا تمتلك موارد سمكية غنية ومتنوعة، سواء في مياهها البحرية أو الداخلية، لكن لم تستثمر حتى الآن بالصورة الأمثل. وبطبيعة الحال، تواجه هذه الثروة تحديات عديدة، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود من الجهات الحكومية والمجتمعات المحلية والمنظمات الدولية، خصوصاً في مرحلة البناء المنشودة ما بعد التحولات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخراً. فمن خلال تبني ممارسات صيد مستدامة، وتطوير تربية الأحياء المائية، وتعزيز الوعي البيئي، يمكن لسوريا تحقيق ثورة سمكية تسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة.