تواجه زراعة الحمضيات في سوريا تحديات كبيرة منذ سنوات، فمن الإهمال الحكومي، إلى ارتفاع تكاليف الأسمدة والمشتقات النفطية، وصولاً لصعوبة تصريف الإنتاج وتراجع عمليات التصدير؛ كلها عوامل ساهمت في عزوف عدد كبير من الفلاحين عن زراعة الحمضيات والتوجه لزراعات أخرى؛ فما هي المتطلبات التي من الممكن أن تساعد المزارعين في إنعاش هذه الزراعة مجدداً؟
في العام 2024 وصلت الكميات المنتجة من الحمضيات في سوريا إلى 688 ألف طن، موّزعة بين 130 ألف طن من الليمون، وحوالي 118 ألف طن من اليوسفي و438 ألف طن برتقال، ليتراجع الإنتاج بأكثر من 150 ألف طن عن الموسم الذي قبله في العام 2023، حيث بلغ الإنتاج حينها 641 ألف طن.
وفي العام 2022، بلغ إنتاج الحمضيات 760 ألف طن، بانخفاض 62 ألف طن عن موسم 2021، حينما بلغ الإنتاج 832 ألف طن.
تلك الإحصائيات تشكّل تراجعاً حادّاً عن مستويات الإنتاج قبل الحرب، حيث بلغت كميات الحمضيات المُنتجة عام 2010 نحو 1.25 مليون طن.
تحديات كبيرة
يعود تراجع الإنتاج بالدرجة الأولى إلى توقف ما بين 50 إلى 60% من الفلاحين عن زراعة الحمضيات، إذ استبدل البعض زراعاتهم بمحاصيل أخرى ذات جدوى اقتصادية أعلى، مثل الفواكه الاستوائية أو عرائش العنب، التي أصبحت أكثر ربحية في الأسواق المحلية والخارجية.
كما أن الكلفة المرتفعة لمتطلبات زراعة الحمضيات، مثل أسعار السماد العضوي، دفعت المزارعين إلى تضمين المحصول بالكامل، أيّ بيع الثمار مباشرة على الأشجار لتجنب الخسائر.
كما أثّر ضعف التصدير سلباً على المزارعين في سوريا، حيث ارتفعت كلفة نقل البراد الواحد من الحمضيات خلال عام 2024 من 1200 دولار إلى 3500 دولار عبر الحدود الأردنية، وهو قلل القدرة التنافسية للمنتجات السورية أمام الحمضيات العربية الأخرى التي باتت مرغوبة أكثر في الأسواق الخليجية نظراً لانخفاض أسعارها.
وتتركز زراعة الحمضيات داخل سوريا بشكلٍ رئيسي في اللاذقية بالمرتبة الأولى، تليها طرطوس في المرتبة الثانية، إضافة لوجود أراضٍ لزراعة الحمضيات في محافظة حمص تقدّر مساحتها الموجودة بـ 1%، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة السورية.
وتبلغ المساحة الإجمالية المزروعة بالحمضيات في سوريا حوالي 40 ألف هكتار، بعدد أشجار يُقارب 14 مليون شجرة منها 13 مليون شجرة في طور الإنتاج.
الفواكه الاستوائية تغزو الساحل السوري
أمام الصعوبات المتواصلة في الزراعة وتسويق الإنتاج وضعف الدعم الحكومي، لجأ الكثير من المزارعين في المنطقة الساحلية إلى اقتلاع أشجار الحمضيات واستبدالها بأشجار الموز وغيرها من الفواكه الإستوائية، لكونها أكثر ربحية وأقل تكلفة.
وتؤكد معلومات أن المساحة المزروعة بالفواكه الاستوائية في طرطوس واللاذقية باتت اليوم تعادل 10% من مجموع الأراضي القابلة للزراعة، وهي نسبة كبيرة نسبياً خاصّة أنها جاءت خلال الأعوام القليلة الماضية، ما ينذر باحتمال توسعها أكثر على حساب زراعة الحمضيات.
وتشير مصادر حكومية إلى أن التوسع بالزراعات الاستوائية بدأ منذ نحو 4 سنوات، إلا أن الإنتاج يزداد كل عام عن العام الذي سبقه، وسط توقعات بأن تحقق سوريا حالة من الاكتفاء الذاتي من المنتجات الاستوائية المُنتجة محلياً خلال السنوات القليلة المقبلة.
ما الحلول؟
في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها مزارعو الحمضيات في سوريا، يتعين على الحكومة الجديدة تقديم تسهيلات كبيرة لدعم هذه الزراعة وإنعاشها مجدداً لما تمثّله من قيمة اقتصادية كبيرة، وخاصّة فيما يتعلّق بتخفيف الأعباء المادية المترتبة عن تأمين مستلزمات الإنتاج من الأسمدة والمشتقات النفطية، ويمكن لعودة الاستيراد أن تكون فرصة لتخفيف أسعار الأسمدة بمختلف أنواعها.
إضافة إلى ذلك، فإن وضع تسعيرة مناسبة الحمضيات في الأسواق المحلية تتناسب مع كلفة الإنتاج، يمكن أن تساهم في دعم المزارعين، خصوصاً مع عودة أسواق جديدة لاستقبال حمضيات الساحل السوري، وتحديداً في إدلب وشرق الفرات بكميات كبيرة.
أما الأمر الأكثر أهمية لمزارعي الحمضيات فيتمثّل بفتح باب التصدير على مصراعيه، نحو الأسواق الخارجية وتحديداً الخليجية، والاستفادة من فتح المعابر البرية مع الأردن في الوقت الحالي لتخفيف قيمة الجمارك على الشاحنات السورية العابرة، بما يمنح قيمة تنافسية أكبر للمُنتَج السوري.
ومن المتوقع أن يشكّل دعم مزارعي الحمضيات أولوية لوزارة الزراعة في الحكومة السورية الجديدة إلى جانب الزراعات الاستراتيجية الأخرى، لما لها من قدرة على دعم القطاع الزراعي في البلاد، وتحسين الواقع الاقتصادي بشكلٍ عام، فهل تنجح الحكومة في إعادة هذه الزراعة إلى سابق عهدها؟ أمّ أنّ العقبات المختلفة سوف تمنعها من ذلك فنشهد تردي أكبر؟ علينا أن ننتظر ونرى…
اقرأ أيضاً: الزيتون السوري.. من الاكتفاء إلى الانهيار