في أجواء يترقبها السوريون بشغف، ستنطلق اليوم، الرابع والعشرون من فبراير 2025، أعمال مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي يجمع تحت مظلته طيفاً متنوعاً من السوريين لمناقشة مستقبل البلاد، وهذا الحدث الذي طال انتظاره يعدّ خطوة مهمة على طريق البحث عن حلول وطنية للقضايا العالقة، وسط آمال كبيرة بأن يكون نقطة انطلاق لمسار جديد من التفاهم والتوافق، وحالة من الترقب لما سيحدث داخل المؤتمر ومخرجاته.
ومع وصول المشاركين إلى مقر المؤتمر، ستبدأ عملية تسجيل الحضور، وسيتلوها لقاء تعارف يتيح للمشاركين فرصة تبادل الآراء وكسر الجليد قبل الدخول في صلب النقاشات.
أما يوم غد، الخامس والعشرون من شباط/فبراير، فسيكون اليوم الأساسي للجلسات الحوارية، حيث ستبدأ الفعاليات بكلمة افتتاحية عند الساعة التاسعة والنصف صباحاً، يليها تقسيم المشاركين إلى مجموعات عمل متخصصة، تناقش كل مجموعة منها محوراً حيوياً يمس مستقبل سوريا، مثل العدالة الانتقالية، البناء الدستوري، الإصلاح المؤسسي، الحريات العامة، دور منظمات المجتمع المدني، والمبادئ الاقتصادية.
وبعد جلسات النقاش الصباحية، سيحظى المشاركون باستراحة قصيرة، تليها جولة جديدة من الحوارات المعمقة التي تمتد حتى الجلسة الختامية، حيث سيتم استعراض أبرز التوصيات التي خرجت بها ورش العمل، يليها نقاش موسع يهدف إلى وضع رؤية واضحة لمخرجات المؤتمر.
اقرأ أيضاً: مصادر تكشف موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني
2200 مداخلة و700 مشاركة مكتوبة
ووفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر، فإن اللجنة عملت خلال الفترة الماضية على عقد أكثر من ثلاثين لقاءً تمهيدياً شمل جميع المحافظات السورية، بهدف ضمان تمثيل مختلف المكونات الاجتماعية، وسجلت أكثر من 2200 مداخلة، بالإضافة إلى استقبال أكثر من 700 مشاركة مكتوبة، الأمر الذي يشير إلى وجود تفاعل كبير مع هذه المبادرة الوطنية.
من أبرز المقترحات التي طُرحت خلال هذه اللقاءات الدعوة إلى إصدار إعلان دستوري مؤقت لتنظيم المرحلة الانتقالية، ووضع خطة اقتصادية تتماشى مع الأوضاع الراهنة، إضافة إلى إعادة هيكلة القطاعات الحكومية وإشراك المواطنين في عملية صنع القرار، وقد لاقت هذه القضايا اهتماماً واسعاً بين السوريين، إذ يرى كثيرون أن تحقيق العدالة الانتقالية والإصلاح المؤسسي والاقتصادي هو المفتاح لإرساء الاستقرار في البلاد.
وأكدت اللجنة التحضيرية أن الحوار الوطني ليس مجرد مؤتمر أو اجتماع ينتهي بانتهاء الجلسات، بل هو نهج مستدام يسعى إلى بناء توافقات وطنية حقيقية، مشددةً على أن انعقاد المؤتمر بهذا الزخم يعكس رغبة السوريين في التوصل إلى حلول عملية تعزز الاستقرار وتؤسس لمرحلة جديدة.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تتابع الحوار السوري «عن كثب» وبيدرسون في دمشق قريباً
الدغيم: الحوار والحكومة الانتقالية مساران غير مرتبطان
ورغم تعدد الرؤى والاتجاهات بين المشاركين، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمع الجميع هو الإيمان بأهمية الحوار كوسيلة لحل النزاعات والوصول إلى تفاهمات بناءة، وفي حديثه أمس، أوضح المتحدث باسم اللجنة، حسن الدغيم، خلال المؤتمر الصحفي، أن اللجنة راعت في تحضيراتها ملاحظات وانتقادات السوريين، وعملت على تعديل بعض المحاور بناءً على المقترحات الواردة من المواطنين، مؤكداً أن توصيات المؤتمر ستشكل الأساس لخطوات مستقبلية، سواء في مجال الإصلاح السياسي أو إعادة بناء مؤسسات الدولة.
وفي الوقت الذي تُثار فيه تساؤلات حول العلاقة بين هذا المؤتمر وإمكانية تشكيل حكومة انتقالية، أكد الدغيم أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين المسارين، إلا أن مخرجات المؤتمر قد تساهم في رسم الملامح العامة لأي حلول مستقبلية.
هذا ويشار إلى أنه يطال المؤتمر الحالي بعض الانتقادات من القوى والشخصيات السياسية المعروفة في سوريا، أبرزها تلك التي تنتقد عدم التواصل وإشراك الهيئات والأحزاب السياسية في عملية الحوار التي جرت، وأن ما سينتج عن الحوار الحالي بالمحصلة هي توصيات غير ملزمة، في حين أنه كان من المطلوب أن يصدر عنه قرارات.
وفي الوقت نفسه، هناك من يدافع عن المؤتمر الحالي، من منطلق أنه مهم وضروري في هذه المرحلة التي لا تحتمل التأجيل، وذلك على طريق تحوّله ليكون مؤتمراً وطنياً عامّاً يشمل كل القوى والفعاليات السياسية الموجودة والتي لها وزن على مساحة الجغرافية السورية.
وبين هذا وذاك، الأنظار متجهة الآن نحو نتائج هذا المؤتمر، وما إذا كان سيشكل منعطفاً حقيقياً في المشهد السوري، أم سيكون مجرد محطة أخرى في سلسلة المحاولات السياسية السابقة والتي لم تنجح في تحقيق اختراقات ملموسة، وتحولت فيما بعد إلى فرص ضائعة، لكن ما يبدو واضحاً بشدة حتى الآن هو أن السوريين يملكون رغبة صادقة في الحوار، وأنهم، رغم الجراح العميقة، ما زالوا يبحثون عن طريق نحو المستقبل.