في اليوم الأول من شهر رمضان، يحرص السوريون على استقبال الشهر الكريم بطقوس تحمل في طياتها الكثير من المعاني والتقاليد العريقة، ومن أبرزها “تبييض اليوم”، وهي عادة قديمة تعكس تفاؤل الأهالي ببداية مباركة للشهر الفضيل.
وتقوم العائلات السورية بتحضير وجبة رئيسية يغلب عليها اللون الأبيض، حيث يكون اللبن ومشتقاته العنصر الأساسي في المائدة، وذلك كجزء من طقوس سورية في رمضان التي تناقلتها الأجيال عبر الزمن.
وتشمل هذه الأطباق التراثية الشاكرية، التي تُحضر من اللبن المطبوخ مع اللحم والعظام، إلى جانب الكبة اللبنية، التي تجمع بين نكهة الكبة الشهية وصلصة اللبن الغنية، ولا تغيب عن المائدة أطباق مثل شيخ المحشي، حيث تُحشى الكوسا باللحم المفروم وتُطهى باللبن، وأيضًا الشيش برك، وهو عجين محشو باللحم يُطهى في اللبن، مما يضفي على الوجبة طابعًا خاصًا يجمع بين النكهة الأصيلة والروح الرمضانية.
اقرأ أيضاً: نكهات الزمن الجميل: المونة على طريقة الأجداد
إرث ثقافي
هذه الطقوس ليست مجرد عادة غذائية، بل هي إرث ثقافي يعكس ارتباط المجتمع السوري بموروثه الشعبي، حيث تحظى منتجات الألبان والأجبان بمكانة مهمة في التراث الغذائي السوري، وتعد صناعة اللبن والجبن والزبدة من الحرف التقليدية التي تُنقل عبر الأجيال، خاصة في الأرياف، حيث تُصنع هذه المنتجات بطرق طبيعية وتُخزن كمؤونة للأشهر القادمة.
وقد اشتهرت بعض المحافظات مثل حماة ودير الزور بجودة ألبانها وأجبانها، حيث يقال “سمنة ديرية” و”جبن حموي”، في إشارة إلى تميز هذه المنتجات وطلبها الكبير في الأسواق.
ومع مرور الزمن، تواجه هذه الطقوس والتقاليد تحديات عديدة، حيث أثرت الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار على قدرة العديد من الأسر على الالتزام بهذه العادات، فطبق مثل شيخ المحشي أو الكبة اللبنية بات يشكل عبئًا ماليًا بسبب غلاء اللحوم، مما دفع الكثيرين إلى البحث عن بدائل اقتصادية للحفاظ على جوهر التقاليد دون إرهاق الميزانية.
ورغم هذه التحديات، لا يزال السوريون يحاولون الحفاظ على طقوس سورية في رمضان، سواء من خلال تحضير الأطباق التقليدية بطرق مبسطة، أو باستبدال المكونات باختيارات أكثر توفرًا، ليبقى اللون الأبيض هو الشاهد على بداية جديدة، ورمز للنقاء والتجديد والأمل بمستقبل مشرق رغم التحديات الاقتصادية والظروف الصعبة.
بياض مشترك
يمتد الاعتماد على اللون الأبيض في مائدة الإفطار الرمضانية ليشمل العديد من الدول العربية، حيث يُعتبر هذا اللون رمزًا للنقاء والتفاؤل، ففي الأردن، يحتفي الناس بالـ”منسف”، الطبق التقليدي المكوّن من الأرز واللحم مع صلصة اللبن البيضاء، الذي يمنحه لمسة بياض مميزة تعكس قدسيته كطبق احتفالي.
أما في فلسطين، فتتوارث العائلات تحضير أطباق ذات لون أبيض في اليوم الأول من رمضان، مثل اللبن الزبادي أو “العكوب باللبن” في نابلس، وطبق اللبن المطبوخ مع الأرز في جنين، وفي الجنوب، يحضر “المنسف بالجَميد”، وهو طبق تقليدي مصنوع من لبن الأغنام المجفف، يُقدّم أحيانًا مع “يخنة الفاصولياء الخضراء”، لكنه يظل محافظًا على هويته البيضاء المرتبطة بالبدايات النقية والمباركة.
ويرتبط اللون الأبيض في الثقافة العربية بمعاني عميقة تمتد إلى النقاء والصفاء والطهارة، فقد شبّه الإغريق القدماء هذا اللون بحليب الأم، وارتدى الكهنة السلتيون الملابس البيضاء تعبيرًا عن الصفاء الروحي، وفي اللغة العربية، يُقال “ابيضّ وجهه” للإشارة إلى السعادة والفخر، مما يعكس الدلالات الإيجابية لهذا اللون.
وتؤكد هذه العادات المتوارثة أهمية اللون الأبيض كرمز للتفاؤل والبدايات الجديدة، حيث يُستخدم لتزيين الموائد الرمضانية في أول أيام الشهر الكريم، ويأمل الناس أن يكون هذا الشهر سهلًا ومباركًا، وأن يحمل معه الخير والراحة، تمامًا كما يعبر اللون الأبيض عن الصفاء والنقاء في التراث العربي.
اقرأ أيضاً: أشهر المقبلات السورية التي لا يمكنك تفويتها!