الثلاثاء 2 شباط/فبراير 2021
لم تتضح بعد خطوط السياسة الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب حديثاً جو بايدن، فالرئيس الذي ورث ملفات من “الحجم الثقيل”، لا يزال في مرحلة وضع أولويات بلاده ليباشر عملية وضع اللبنات الأساسية التي تنطلق منها ولايته.
وحتى الآن فكل ما يظهر للإعلام هو نتاج دراسات وتقارير آتية إما من “تمنيات” حول كيفية تعامل بايدن مع الأزمات، وإما من وقائع حقيقة يواجهها العالم. يقول بايدن إنه “يريد إحياء القيادة الأميركية للعالم”، لكن هناك موازين قوى تغيرت بشكل جذري عما كانت عليه عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما. عاد التنافس بين القوى العظمى، إضافة إلى الاستطلاعات التي تظهر تراجع سمعة الولايات المتحدة حتى بين الحلفاء، وكان هذا التراجع بدأ مع أوباما وأكمل دونالد ترمب المهمة.
قد يكون الرئيس الجديد لا يزال أقرب إلى مرحلة الاستطلاع قبل أن يخطو الخطوة الأولى، هذا في المشهد العام، أما في ما يعني المنطقة، فتتساءل دوائر القرار عن كيفية تعامل بايدن مع تصاعد النفوذ الإيراني في الإقليم، وتدور تكهنات حول أن سياسات إدارته المقبلة قد تكون في إطار زيادة هذا النفوذ، أو ربما سياسة إمساك العصا من المنتصف، كي يلتفت إلى ملفاته الداخلية. من هنا يتوجس البعض من وجهة هذه السياسات بخاصة في ما يعنى بالنظام السوري.
لوبي بطابع مسيحي
وكانت وسائل إعلام سورية وشخصيات معارضة تحدثت عن حروب خفية تحدث في الكواليس بين شخصيات ومراكز أبحاث تدعم النظام السوري لرفع العقوبات عنه، في مواجهة تحرك مضاد من ناشطين ومعارضين سوريين. وفي المعلومات أنه في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي قامت شخصيات سياسية ورجال دين لبنانيين وسوريين، بالضغط عبر حملة أضفي عليها الطابع المسيحي، للتأثير ما أمكن في دوائر صنع القرار الأوروبي والأميركي، وحجة هؤلاء أن العقوبات المفروضة على النظام السوري حرمت الشعب من المساعدات الإنسانية التي لا تندرج ضمن قائمة العقوبات المفروضة على النظام، مما كانت له تبعات كثيرة على السوريين في الداخل، بخاصة بعد تفاقم جائحة كورونا.
وتضيف المعلومات أن فواز الأخرس، والد أسماء زوجة الرئيس السوري، يترأس هذه الحملة، حيث يقيم في بريطانيا ويدير مجموعة من مراكز الأبحاث، وكان أحد المستهدفين بالعقوبات الأميركية التي أدرجته وابنته مع عدد من أفراد العائلة، في 22 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ونشرت الحملة رسائل بعضها على موقع “تويتر”، تتضمن تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، من أن ملايين السوريين تفاقمت أزماتهم بعد العقوبات القسرية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، والأضرار التي لحقت بالرعاية الصحية خلال السنوات الماضية.
لكن هذه الحملة قوبلت بحملة مضادة عبر ورقة وقعها عدد من الشخصيات العربية والسورية ستقدم إلى الرئيس بايدن، وتتضمن إدانة انتهاكات النظام السوري وجرائمه التي ارتكبت ضد الإنسانية، وتطرح بعض النقاط التي قد تخفف فعلاً من معاناة الشعب السوري من حيث إيصال المساعدات الإنسانية والمساعدة في الاستجابة العالمية لمكافحة تفشي فيروس “كورونا” عبر إيصال اللقاح إلى الشعب.
وكان رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام” المقيم في أميركا، أيمن عبدالنور، تحدث إلى “اندبندنت عربية” عن مضمون المسودة المناهضة لرسالة رفع العقوبات، والتي شرحت طبيعة الحصار الاقتصادي الذي مارسه النظام السوري ضد شعبه، وتجلى باحتكار حصوله على المواد الغذائية الأساسية عبر “البطاقة الذكية”، بينما تنتشر السلع و”الماركات” الباهظة الأسعار بين الموالين له، مع الاتجار بالمساعدات الغذائية التي ترسل للشعب، وأصبحت مصدراً لتجار الحرب.
وأشار عبدالنور إلى جهات خفية ضغطت على أزرار عدة في بعض دول العالم في ما يتعلق بالقضية السورية، تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة.
توقيعات تحت الضغط
في الإطار عينه، يشير عبدالنور إلى أن هناك غياباً لتواقيع رجال الدين في حملة رفع العقوبات، ممن هم خارج ضغوط النظام السوري، بينما وردت أسماء بعض الموقعين من دون موافقتهم على نص الحملة، مما يعني أن عدداً من التواقيع الموجودة جرت تحت الضغط. ويضيف أن الرسالة المناهضة اعتبرت موقف رجال الدين المسيحيين في محاولتهم استجداء الحكومات الغربية، تضليلياً لا يصب في مصلحة الشعب السوري، لأن العقوبات لا تشمل الغذاء والدواء.
وتطالب الحملة المناهضة بإيصال لقاح فيروس “كورونا” عبر المنظمات الدولية إلى السجناء والمعتقلين في جميع الأراضي السورية، لتشمل كبار السنّ ومصابي الحرب، والإشراف على ملف اللقاح في سوريا من قبل الأمم المتحدة بعد فشل النظام في السيطرة على أزمة الجائحة مقارنة بمناطق شمال شرقي وغرب سوريا، كما تطالب بالسماح للمنظمات الدولية الدخول إلى سوريا لتأمين وصول المساعدات كي لا تتبدد عبر المنظمتين الحصريتين “الهلال الأحمر السوري” و”الأمانة السورية للتنمية”، اللتان تديرهما زوجة الرئيس السوري.
فرنسا تسعى لوكالة “حصرية” في المنطقة
في السياق، تداول الاعلام خبر الاتصال الذي جرى بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي جو بايدن، والبيانين اللذين صدرا عقب الاتصال وشابهما تناقض واضح، إذ تحدث الفرنسي عن ملفات تخص الشرق الأوسط، وتحديداً الملف النووي الإيراني والملف اللبناني، بينما تحدث الأميركي عن العلاقات الأطلسية وروسيا والصين، إضافة إلى الوضعين الصحي والاقتصادي.
وتشير المصادر إلى أن الاتصال لم يتحدث عن الملف اللبناني أو السوري، ربما لارتباطهما بملفات أخرى. ويأتي ما تحدثت عنه المعلومات في سياق مبادرة ماكرون تجاه لبنان بعدما فشلت جهوده خلال المرحلة الماضية، إما بسبب النفوذ الإيراني في لبنان، أو بسبب موقف إدارة ترمب غير الواضح حينها من مبادرته، والعقوبات التي طالت شخصيات لبنانية.
وفي معلومات متداولة عن “الإليزيه”، فإن ماكرون يسعى جدياً لتسلم ملف المنطقة، وهو في ذلك يريد وكالة صريحة من الإدارة الأميركية الجديدة، في ظل عدم اهتمامها بهذه الملفات حالياً، وفي إطار العمل لتجميد مفاعيل “قانون قيصر” لأسباب عدة، منها تحقيق نصر سياسي في الداخل الفرنسي، وملف اللاجئين الضاغط على الاقتصاد الأوروبي بشكل عام.
تقرير: سوسن مهنا
المصدر: إندبندنت عربية