دمشق، أول عاصمة مأهولة في التاريخ، لوحة فنية تأسر القلوب والعقول بجمالها الذي يجمع بين روعة الحاضر وعظمة الماضي، بين جنباتها تحتضن أسراراً تجعل منها مقصداً سياحياً جاذباً للزوار من كل أنحاء سوريا، فيتوافدون إليها على مدار العام لقضاء أوقات لا تُنسى، لذا، إن لم تتح لكَ الفرصة من قبل لزيارتها، لأيّ سبب كان، وترغب في قضاء أيام مثمرة فيها، تعال نطلعك على أجمل الأماكن التي تستحق الزيارة فيها.
أجمل معالم دمشق القديمة
يرتسم في بال أي شخص من خارج دمشق، عند سماع اسمها، صورة الجامع الأموي وسوق الحميدية وباب توما، وهي بالفعل من أبرز المعالم السياحية التي قد يرغب الزوار برؤيتها.
إذ يعدّ سوق الحميدية أحد أشهر الأسواق في العالم وأجملها، مع أول خطوة بداخله، ستدهشك الألوان الزاهية والأقمشة المتنوعة للملابس والبسط، والصناعات التقليدية والآلات الموسيقية، فالسوق يبدو كمعرض دائم للفنون التقليدية.
ومع سقفه المقبى الذي يتخلله الضوء، يعطي شعوراً رائعاً خاصة لمن يزوره أول مرة، ورغم صعوبة السير فيه خلال أوقات الذروة، إلا أن ذلك لا يمنعك من الاستمتاع بكل لحظة، خاصة عندما تتوقف لتناول المثلجات العربية من “بوظة بكداش” أو لتتبضع التذكارات التي تعبّر عن دمشق لمحبيك.
اقرأ أيضاً: مقاهي دمشق العريقة من النوفرة إلى الهافانا
وعندما ترى مأذنة الجامع الشامخة، اعلم أنك قد وصلت إلى المعلم السياحي والديني الشهير، الجامع الأموي الكبير، هذا الجامع العريق الذي يعدّ مقصداً سياحياً ودينياً للزوار من كل حدب وصوب، والذي يتميز بأبوابه الأربعة ومآذنه الثلاثة، التي تحمل أسماء المناطق التي تطل عليها، مثل مئذنة العروس ومئذنة المسكية ومئذنة النوفرة.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، يكتسب الجامع الأموي طقوساً خاصة، تبدأ جوقة المنشدين فقرة الإنشاد الديني قبل ساعة أو ساعتين من صلاة الفجر، بمشاركة حشود من أهالي المدينة، وفي فترة الإفطار، يُلقى خطبة دينية على المصلين المحتشدين، تليها فقرة إنشاد ديني.
وبعد صلاة المغرب، يوزع أهالي دمشق “موائد الرحمن” على الفقراء والمحتاجين، في مشاهد مليئة بالرحمة والمحبة، لذا ستكون محظوظاً إن زرته في الأيام المقبلة.
أمّا قصر العظم، الواقع جنوب الجامع الأموي، فهو تحفة معمارية بُنيت على يد أسعد باشا، يتميز هذا المعلم بجماله وفخامته، وينقسم إلى قسمين: السلملك لاستقبال الزوار، والحرملك للنساء، وتُعرض بداخله حرفٌ يدوية دمشقية قديمة من خلال تماثيل شمعية.
سوق البزورية أيضاً مكان يستحق الزيارة، هنا، ستجد نفسك محاطاً برائحة التوابل والحلويات الملونة، يبدأ التجار يومهم بنشاط، حيث ترى منهم من يكنس أمام محله ومن يرشّ الماء ليرطب الأجواء، بينما تسمع صوت القرآن الكريم يصدح من المحلات ليرحب بيوم رزق جديد.
أمّا سوق مدحت باشا، فيضمّ أقدم المحلات التجارية، والتي توارثها التجار أباً عن جد، وفيه ستجد منتجات نسيجية مميزة، مثل الأقمشة الحريرية والعباءات والطرابيش، ومحلات لبيع المكسرات والقهوة والزيوت وغيرها.
اقرأ أيضاً: مهرجان التسوق في دمشق بمشاركة 118 شركة
وبينما لا تزال في حدود دمشق القديمة، ينبغي عليك زيارة باب توما وباب شرقي، لتستمتع بالسير على الأرض المرصوفة والمبلطة، وأنت تستمع لصوت فيروز ورائحة القهوة من البيوت القديمة، قد تضيع في الأزقة الضيقة، لذا لا تنسَ أن تجعل خرائط غوغل صديقك، ليرشدك أنت وصديقك الحقيقي.
وفي حي باب توما، يمكنك زيارة كنيسة القديس حنانيا، التي تعدّ من أقدم الكنائس في العالم وتعود للحقبة الرومانية، تقع الكنيسة تحت الأرض، ويمكن الوصول إليها عبر درج يؤدي إلى التحفة التاريخية التي تعود لأكثر من 2000 عام.
في هذه الأحياء أيضاً، يمكنك قضاء أيام في فنادقها الرائعة، التي كانت في الماضي بيوتاً عربية دمشقية قديمة – يقول البعض أنّ تكلفتها معقولة مقارنة بالفنادق الأخرى – ففيها يحلو السهر، والنوم أيضاً، وفيها يجد أبناء دمشق الذين تغربوا عنها أعواماً كثيرة بسبب الظروف في البلاد، ملاذاً مريحاً وحنوناً، ليقضوا فيها عطلاتهم مع العائلة قبل أن يعودوا إلى المغترب.
وإذا كنت من عشاق القطط، ستجد الكثير من القطط الأليفة في كل خطوة تخطوها، وعندما تمر من القيمرية، افسح المجال في معدتك لتتناول ما لذ وطاب من الأطعمة، من البيتزا إلى الكرواسون، والذرة المسلوقة والمشوية، واستمتع بهم وأنت تتسكع وتلقي نظرة على التذكارات والأنتيكات الجميلة، أو استرح في أحد مقاهيها الشعبية.
اقرأ أيضاً: من الفلافل إلى تماري الكعك.. أشهر أكلات الشارع السوري!
شوارع دمشق الحديثة ومعالمها
عموماً، تحتاج الشام القديمة إلى يوم كامل لتستكشف جمالها، فإذا كان لديك الوقت، انطلق في اليوم التالي إلى قلب دمشق واستمتع بالسير في شوارعها العريضة المسفلتة، ويمكنك هنا زيارة المتحف الوطني، الذي يعدّ من أبرز المتاحف في المنطقة، حيث يضم قطعاً أثرية تعود للعصور المختلفة، بما في ذلك الآثار الرومانية والفنون الإسلامية.
وبالطبع سترغب بالصعود إلى جبل قاسيون، الذي يتميز بإطلالته الساحرة على المدينة، ويمكنك الاستمتاع بهوائه النقي وجماله الرباني، فقد عاد الجبل لاستقبال الزوار منذ ديسمبر الماضي بعد سنوات من الحرب، إذ كان الصعود إليه ممنوعاً لسنوات طويلة اشتاق له خلالها أهل الشام وزوارها.
وإن كنت من محبي الحدائق، يمكنك زيارة حديقة تشرين، التي تعدّ من أفضل الأماكن للترفيه عن الأطفال، إذ تضم مناطق لعب متنوعة ومساحات خضراء واسعة، وأيضاً، حديقة الحيوان هي وجهة ممتعة للأطفال، وفيها يمكنهم مشاهدة مجموعة متنوعة من الحيوانات، مثل الأسود والنمور والزرافات، والاستمتاع بالتجول في ممراتها المظللة.
أمّا حديقة الجاحظ فتقع في قلب دمشق، خلف حي المالكي، وتطل على مجموعة متنوعة من المطاعم و”الكافيهات”، وتعد هذه الحديقة الأجمل والأكثر شهرة في المدينة، حيث تمتد المساحات الخضراء الواسعة المظللة بأشجارها، وتزدهر بالأزهار والأعشاب المشذبة المعطرة بالماء.
حديقة السبكي مميزة أيضاً، وتقع في منطقة الشعلان، الروضة، وأبو رمانة، بالقرب من مركز المدينة، تُعرف كذلك بـ”جنينة البطات”، وتوفر متنفساً جميلاً لأهالي المنطقة وزوارها، وتضم مناطق مخصصة لألعاب الأطفال، لذا فهي خيار مثالي إن كنت تزور دمشق مع عائلتك.
اقرأ أيضاً: ما السرّ وراء عشق السوريين لـ«صابون الغار الحلبي»؟
وتستحق شوارع الحمرا والصالحية والشعلان أن تستمتع بالتجول فيها، حيث تجد كل ما تحتاجه: أسواق مليئة بالملابس والأحذية، مطاعم ومقاهي متنوعة، وفي الشعلان، قد يجذبك سوق يعرض الخضار المقطعة والمجهزة للطهي، اسمه “سوق التنابل” وهو سوق شهير في دمشق، كما يمكنك الاستمتاع هنا بمحلات العصائر والكوكتيلات الشهية التي تنعشك في حر الصيف وتزوّدك بفيتامين سي في أيام الشتاء.
وفي مطاعم دمشق، سواء في الشام القديمة أو الشوارع الحديثة، تنتظرك تجربة طعام مميزة لأشهى المأكولات الشامية الأصيلة، يمكنك الاستمتاع بالتسقية، الكبة بأنواعها، المشاوي، الشيش برك، والشاكرية، إضافة إلى المأكولات السريعة التي قد لا تجدها في أي مكان آخر. وبالطبع، لا تكتمل الزيارة دون تذوق الحلويات الرائعة مثل الكنافة، النابلسية، والمدلوقة والبرازق وغيرها الكثير.
في الختام، قد لا تستطيع استكشاف جمال دمشق بأكمله في يومين، لكن كن واثقاً بأنّ كل خطوة تخطوها فيها ستترك أثراً جميلاً في ذاكرتك وتدفعك للعودة مراراً لزيارتها، لذا احرص على توثيق لحظاتك بالصور، ولا تنسَ أن تأخذ معك تذكاراً أو علبة حلويات شهية لعائلتك أو أصدقائك.
اقرأ أيضاً: جواهر الطبيعة الثمينة المحميات الطبيعية في سوريا