يرى السياسي السوري عبيدة نحاس، رئيس «حركة التجديد الوطني»، أنّ بلاده تمرّ اليوم بـ «مرحلة انتقالية فريدة»، مشيراً إلى أنّ هذا الانتقال لا يقتصر على الخروج من حقبة الاستبداد إلى مسار ديمقراطي، بل يشمل أيضاً «الانتقال من الثورة إلى بناء الدولة الجديدة». وفي لقاءٍ مطوّل تمّ نشره في 6 نيسان/أبريل 2025 مع وسيلة إعلام عربية، رسم رئيس نحاس ملامح رؤيته للمرحلة الحالية، وما ينتظر السوريين خلالها، مؤكداً على أهمية التوازن بين الثوابت الوطنية والانفتاح على التنوع.
واعتبر النحاس، الذي عاد من لندن بعد إسقاط نظام «آل الأسد» في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، أن المجتمع الدولي ما زال يتعامل مع الوضع السوري من زاوية «اختبار النوايا»، قائلاً إن هذا المجتمع «يميل إلى منحها بعض الوقت لالتقاط الأنفاس».
وفي حديثه عن الطابع الإسلامي الظاهر في الإدارة الجديدة، شدد نحاس على أنّ هذا ليس مدعاة للقلق كما يصوّره البعض، قائلاً: «قد نتفهم القلق الذي تعبر عنه أطراف داخلية وخارجية إزاء مسألة “الأسلمة” التي تُثار في بلادنا، ولكن من الظلم لمجتمعنا السوري أن يُحرم أيضاً من تمثيل هويته الدينية المعتدلة». وأضاف: «أبلغ تعبير عنها هو ما نسميه التدين الشامي، حيث لا غلو ولا تشدد ولا إفراط».
تجاوز التخندق والانقسام
من وجهة نظره، فإن الوضع السياسي الجديد في سوريا يتطلب خطاباً واقعياً يتجاوز التخندق والانقسام، إذ أشار إلى أن شكل النظام الذي يُبنى الآن يختلف جذرياً عمّا سبقه، من خلال انفتاحه على المشاركة وتجاوز المحاصصة، موضحاً أن «توجه الرئيس أحمد الشرع نحو رفض المحاصصة بأشكالها الحزبية والدينية والمذهبية والإثنية، إيجابي، بل هو الأسلم للصالح العام في هذه المرحلة».
وحول تركيز السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية بدلاً من وجود رئيس وزراء، رأى نحاس أن لهذا القرار جوانب إيجابية وسلبية، إلا أن طبيعة المرحلة الانتقالية تفرض مرونة في الحكم، مشيراً إلى أن «التجربة السياسية السورية الآن قيد التطوير والتحديث، وستبقى كذلك إلى أن تستقر الأمور على شكل نهائي».
أما عن الجدل المتعلّق بموقف بعض الأطراف الكردية أو المجتمعات الدينية الأخرى الرافضة للتعاون مع الحكومة، فقد عبّر نحاس عن تفهمه لهذا الرفض، لكنه دعا إلى تجاوز الحسابات الفئوية، قائلاً: «نتفهم هذه المواقف ونتعاطف مع بعضها، ولكننا نربأ بمطلقيها أن يقتصر موقفهم من المشروع الوطني على ما يحصلون عليه من مواقع أو مناصب».
وحول اتهامات موجهة لأعضاء الحكومة الحالية بحمل جنسيات أجنبية غير السورية، رفض النحاس إعطاء هذا الموضوع أكبر من حجمه، مذكّراً بحجم الشتات السوري قائلاً: «ماذا نتوقع من شعب تشرد نصفه، ووجد ربعه نفسه في المنافي دون أمل في العودة إلى بلاده؟».
وفيما يخص التركيبة الشبابية للحكومة الجديدة، أوضح أن سوريا بحاجة إلى كل فئاتها، معتبراً أن «عنفوان الشباب مطلوب، والخبرة ضرورية، وتكاملهما هو الحل الأمثل». ولفت إلى أن الانتقادات بشأن قلة الخبرة ناتجة عن «حرمان الأجيال الجديدة من الممارسة السياسية وبناء الخبرة التدريجية ردحاً من الزمن، في ظل تغول نظام مجرم استغل الدولة كلها لصالح فئة قليلة».
لا محاصصة إثنية أو طائفية
في ما يخص قانون الأحزاب المتوقع صدوره، اعتبر نحاس أن إعادة الحياة السياسية لسوريا تتطلب صياغة قانون عصري، يُخرج العمل السياسي من الانتماءات الضيقة نحو «أحزاب وطنية جامعة»، وقال: «نتفاءل بمستقبل الحياة السياسية في سوريا لأن شعبنا حيّ ودؤوب ونشيط».
كما رفض النحاس استخدام الخلفية الإثنية أو الطائفية لتصنيف الوزراء، مشيراً إلى أنّ الاعتراف بالتعددية الثقافية لا يعني تقسيم البلاد على أسس فئوية، قائلاً: «جميع السوريين أصليون بنظرنا وأصحاب حق في وطنهم لا فضل لأحد فيه على آخر… والأصل بالمناهج التربوية أن تحقق الصالح العام، بما في ذلك تعزيز اللحمة الوطنية بالاعتراف بالتعددية الثقافية واللغوية وليس طمسها».
واختتم نحاس حديثه بالتأكيد على أن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا يتطلب «تحويل البلاد إلى ورشة تجديد وبناء كبرى»، معرباً عن ثقته بقدرة السوريين على تحقيق ذلك، قائلاً: «لا نشك في عظم التحديات، ولكننا متفائلون بأن السوريين يملكون من القدرات والخبرات والطاقات ما يمكنّهم من تجاوز العقبات والعقوبات».