الخميس 6 تموز/يوليو 2023
قبل عام 2011 وما شهده من ثورة شعبية عظيمة، وإن انتهى الأمر بها للهزيمة لأسباب عدة، كان المشهد المعارض في سوريا ضعيفاً للغاية على صعيد التنظيم الحزبي، باستثناء عدد محدود جداً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الأحزاب الوازنة. ويعود السبب الأساسي في ذلك إلى قمع النظام العنيف لكل أشكال العمل المعارض أو حتى المستقل عنه. غير أن ذلك لم يمنع من نشاط متنوع للنخب المعارضة في السنوات القليلة التي سبقت الثورة، على صعيد المجتمع المدني، وبعض الحلقات السياسية.
تاريخياً عرف المجتمع السوري، منذ الاستقلال، نهوضاً حزبياً يساري النزعة بشقيه القومي والماركسي، وبالأخص في مواجهة نظام الاستبداد الذي حكم البلاد منذ بداية سبعينات القرن الماضي، باستثناء فترة وجيزة كان تنظيم الإخوان المسلمين وطليعته المقاتلة في مواجهة عسكرية مع النظام بين عامي 1979 و 1982 حيث قضى النظام عليهما خلال مجزرة حماة الشهيرة في شباط/فبراير 1982.
لكن، هذا المسار اليساري المهيمن على الوسط المعارض للنظام حدثت داخله تحولات إيديولوجية وسياسية عميقة منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، ترافقت مع تحولات دولية أهمها إنهيار الاتحاد السوفياتي وأنظمة أوربا الشرقية، أو ما كان يطلق عليه غالبية الأحزاب اليسارية جزافاً “المعسكر الاشتراكي”.
تخلّت الغالبية العظمى من كوادر وأعضاء الأحزاب اليسارية السورية، ومنها حتى تلك الأكثر راديكالية مثل حزب العمل الشيوعي، عن قناعاتهم اليسارية السابقة للتحول إلى اكثر أشكال الليبرالية بؤساً. وهي التي شكلت، بمجملها، الكتلة الأساسية للنخب المعارضة في السنوات اللاحقة، فيما يمكن تسميته تخفيفاً بالمعارضة الرسمية.
هكذا رأينا الظهور البيّن لهذه التحولات المذكورة مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث تصدرت هذه النخب العمل المعارض السوري، تعزز ذلك بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج القوات السورية تالياً من لبنان. متوهمة، أن الولايات والغرب أصبح جاهزاً للإطاحة بالنظام البعثي السوري كما فعلوا مع شقيقه العراقيّ. ومن كان منهم ماركسياً سابقاً، وتحول إلى النيوليبرالية، وأصبح داعياً لهذه السياسات الجديدة وفي أغلب الأحيان باللجوء إلى نفس الخطاب الماركسي الخشبي الذي كان يقرأ السياسة فيه سابقاً على تحولاته.
إضافة إلى نظرية “الصفر الاستعماري” شهدنا تنظيرات أخرى تشير إلى أن التدخل الاستعماري ، على سوئه، يبقى أفضل من غيره لأنه سينقل، وفق رأيهم، البلاد إلى الديمقراطية والتنمية، استناداً إلى اقتباسات مجحفة من ماركس عن “اليد الخفية للتاريخ” في تعامل الأخير مع مسألة الاستعمار البريطاني للهند. وأسرفت هذه النخب في رؤاها وتنظيراتها في الهوية، والطائفية، وصولاً إلى أن الرأسمالية هي نهاية التاريخ البشري.
والحال، فإن هذه المقولة المعلنة، أو تلك المستترة، التي تقول بأن الخلاص من الاستبداد وإقامة الديمقراطية في بلادنا هو رهن بتدخل أمريكا والغرب عسكرياً، هي فكرة سادت في أوساط النخب المعارضة السورية قبل الثورة عام 2011 بسنوات عديدة، وهي مازالت رغم تهافت الفكرة، بالتجربة والخبرات، تتحكم في رؤاها ونشاطاتها.
هذا العطب الفكري والسياسي الذي تعانيه غالبية النخب المعارضة الليبرالية السورية، لا يترك، ولا مكان عندها، لأي فسحة حقاً للشعب السوري، ولا لأي عامل في التغيير الداخلي. فرهانها وقلبها وهواها ينوس إلى خارج سوريا، إلى هذه الدولة أو تلك، ويهمل دور الشعب السوري.
بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، انشطرت هذه المعارضة السياسية الرسمية بشقيها الليبرالي المعلن أو المتستر، الهلامية التنظيم والنخبوية النشاط إلى قسمين، الأول منها راهن على الدول الحليفة للنظام وبالأخص روسيا والصين وإيران، معتقدين أن هذه الدول قادرة على إقناع نظام الطغمة بإجراء إصلاحات سياسية داخله، تشارك هي فيه، وأهم تعبيراتها هيئة التنسيق الوطنية وأشباهها. والقسم الثاني، هو من تهافت إلى الالتحاق لاهثا بالمجلس الوطني السوري وخليفته الائتلاف، وما خرج منهما، الذي شكلته دول الغرب إضافة إلى تركيا وقطر وغيرها، متوهماً، هو الآخر، أنه سيدخل دمشق على دبابات هذه الدول. وما يجدر الإشارة إليه هو أن مفهوم العمل السياسي المعارض للنظام بدلالة وتقدير رغبات، هذه الدولة أو تلك ما يزال يتحكم إلى يومنا هذا بقطاعات واسعة من المعارضين.
بهذا المعنى يمكن القول، إن أقسام المعارضة الرسمية، ومنصاتها، رغم اختلافاتها إنما تتشارك، وتتشابه فيما بينها، في أنها تراهن على العامل الخارجي كمولّد رئيس، وحتى وحيد، للتغيير في سوريا. من هنا نراها جالسة سوياً في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية وغيرها من منصات تستجدي الدول، العربية والدولية، للقيام “بدورها”.
هكذا ساهمت هذه المعارضة الرسمية المرتهنة، إضافة إلى العنف الوحشي لنظام الطغمة، في إجهاض قيام قيادة ثورية كانت بصدد التشكل من الأسفل، من التنسيقيات، في الحراك الشعبي الثوري، وبالتالي تتحمل هي أيضاً مسؤولية كبيرة عن الهزيمة الدموية التي لحقت بالثورة السورية، وتقف موقف العداء أو الانتهازية تجاه الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ما يفسّر، إلى حد كبير، الفشل الراهن للعمل السياسي المعارض.
يمكن مما سبق القول، أن المعارضين المراهنين على العامل الخارجي كأساس للتغيير، المنضوين في الهيئات السياسية المذكورة أعلاه، وأولئك المستبعدين أو المبتعدين عنها، محكومين بنفس المنطق: إظهار وجودهم السياسي، لكي تقبل هذه الدولة أو تلك بهم وتتبناهم. ورغم الفشل المزري والمكرر لهذه المقاربة، لكنها تبقى متحكمه في أغلب نشاطات ومؤتمرات المعارضة “لتوحيد” صفوفها، وإنشاء منصاتها.
المفارقة، أن هوس هؤلاء بكلمة” منصّة” التي نسمعها في كل شاردة وواردة من نشاطهم المؤتمراتي المتواصل لبناء “منصات” إنما تعكس الواقع الفعلي لمعناها اللغوي المطابق فعلاً لممارساتهم السياسية الفاشلة، حيث يقول معجم المعاني الجامع أن المنصة هي : “كرسي مرتفع أو سرير يعد للخطيب ليخطب، أو للعروس لتجلى”.
المصدر: نورث برس
- غياث نعيسة كاتب سوري
سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.