لا يزال الموقف الأميركي بشأن التعاطي مع سوريا يشوبه الكثير من الغموض، خصوصاً فيما يتعلق بالملفات الحيوية الرئيسية مثل: الوجود الأميركي شرق الفرات، وإزالة العقوبات المشددة عن دمشق، والتواصل السياسي مع الحكومة الجديدة؛ وهي ملفات تتعاطى معها إدارة دونالد ترامب – Donald Trump بكثير من التناقض منذ سقوط نظام الأسد؛ فكيف يمكن قراءة الموقف الأميركي من الملف السوري في الوقت الحالي؟
قبل أيام، زار عضوان بالكونغرس الأميركي العاصمة السورية دمشق للاجتماع بالرئيس أحمد الشرع، في أول زيارة لمشرّعين أميركيين إلى سوريا منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، والعضوان هما كوري ميلز – Corey Mills عن ولاية فلوريدا، الذي يشغل منصب عضو لجنتي الشؤون الخارجية والخدمات المسلحة بالكونغرس؛ ومارلين ستوتزمان – Marlin Stutzman، عن ولاية إنديانا. وكلاهما من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس دونالد ترامب.
وناقش الوفد الأميركي مع الرئيس السوري ووزير خارجيته مسائل عديدة، منها العقوبات على سوريا، والشروط الأميركية للتعامل مع حكومة دمشق، والتعاطي مع إيران.
ترجمة الزيارة
في ختام زيارته إلى دمشق، كشف عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز، أنه يعتزم عرض رؤية الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، ونتائج زيارته إلى سوريا، على الرئيس دونالد ترمب، ووزير الخارجية ماركو روبيو، والكونغرس.
وقال ميلز: “سأنقل الرؤية التي شاركها معي الرئيس السوري ووزير الخارجية أسعد الشيباني حول التحديثات في أنظمتهم، ورغبتهم في إعادة الخدمات الأساسية، وبناء علاقات صحية مع دول الجوار، إلى جانب تمكين النساء في العمل الحكومي”.
وأضاف ميلز: “هذه الرسائل سأنقلها إلى الحكومة الأميركية، وسنرى لاحقاً كيف يمكننا أن نبقي باب الحوار مفتوحاً مع الحكومة السورية”.
وفيما يتعلق بالعقوبات الأميركية على دمشق، أكد ميلز أنه سيستكشف السبل الممكنة لحلّ هذا الملف، وسينقل رسالة حول كيفية دعم سوريا لتكون قوية ولها دور بارز في استقرار المنطقة، موضحاً أن ذلك قد يتجسد عبر “توسيع اتفاقيات أبراهام أو من خلال سياسات أوسع لتحقيق الاستقرار”.
أما مارلين ستوتزمان، فقد اعتبر اللقاء مع زعيم لا يزال خاضعاً لعقوبات أميركية، مماثلاً لتعامل إدارة ترامب مع زعيمي إيران وكوريا الشمالية.
وفي تصريحات لوكالة رويترز – Reuters قال النائب الأميركي: “يجب ألا نخاف من التحدث إلى أي أحد، وأتطلع إلى رؤية الطريقة التي ستتعامل بها سوريا مع المقاتلين الأجانب، وما إذا كانت ستعمد إلى حكم سكان البلاد متنوعي الأطياف بأسلوب يتسم بالشمول والاستيعاب”.
وأكد ستوتزمان وجود فرصة في التعامل مع الحكومة سوريا، معتبراً أن هذه الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر، وقال: “لا أريد دفع سوريا إلى أحضان الصين، أو العودة إلى أحضان روسيا وإيران”.
شروط بالجملة
مؤخراً، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال – Wall Street Journal الأميركية أن إدارة ترامب مستعدة لبحث تخفيف العقوبات عن سوريا في حال التزمت حكومة دمشق بتحقيق مجموعة من الالتزامات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، فإن واشنطن طالبت الحكومة السورية الجديدة بتفعيل ملف مكافحة الإرهاب، وقمع المتطرفين، وطرد الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى اتخاذ خطوات لتأمين مخزون البلاد من الأسلحة الكيميائية.
بالمقابل، ستنظر الولايات المتحدة في تجديد إعفاء محدود من العقوبات أصدرته إدارة بايدن بهدف تسريع تدفق المساعدات إلى البلاد.
واعتبرت وول ستريت أن هذه التوجيهات تعكس شكوكاً لدى مسؤولي الإدارة الأميركية تجاه الحكومة السورية التي يقودها الرئيس أحمد الشرع.
أسباب الحذر الأميركي
ينطلق الحذر الأميركي في التعاطي مع الحكومة السورية الجديدة وفقاً لتصريحات أميركية سابقة من جملة عوامل، أبرزها تصنيف واشنطن لهيئة تحرير الشام على أنها “منظمة إرهابية”، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الرئيس أحمد الشرع، على الرغم من إعلان الولايات المتحدة قبل أشهر إلغاء جائزة 10 ملايين دولار لتقديم معلومات عن الشرع للإدارة الأميركية.
وهذا الموقف عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو – Marco Rubio في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل وتصريحاته بشأن الإدارة السورية الجديدة عندما قال: “إن سقوط الأسد أمر واعد ومهم، لكن قيام سوريا باستبدال قوة مزعزعة للاستقرار بقوة مماثلة أخرى ليس بالتطور الإيجابي”.
وفي شباط الماضي، رفضت الولايات المتحدة خلال مؤتمر باريس التوقيع على الإعلان الذي وقعه جميع المشاركين.
كما تجلى الحذر الأميركي أيضاً في التعامل مع الحكومة السورية في اتباع دبلوماسية غير مباشرة، إذ تعتمد الولايات المتحدة على إدارة علاقاتها مع دمشق على حلفائها الأساسيين في المنطقة.
وربما يعكس هذا النهج رغبة واشنطن في الحفاظ على نفوذها في سوريا دون تقديم اعتراف رسمي أو اتخاذ مواقف حاسمة تجاه حكومة دمشق، وهو ما يتماشى مع إستراتيجية الولايات المتحدة القائمة على تقليل التورط في أزمات الشرق الأوسط.
تجميد وانفتاح
شهدت الأيام الماضية تراجع وتيرة الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية مقارنة بالأشهر الماضية، كما جمّدت إسرائيل عمليات التوغل البري في الجنوب السوري، وربما يكون هذا الأمر مدفوعاً بضغوط من جهات مختلفة، لفسح المجال أمام عمليات التفاوض المباشر وغير المباشر مع دمشق.
ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه دمشق مغادرة وفد مكون من وزير المالية السوري محمد يسر برنية، وحاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحُصرية، إلى الولايات المتحدة، للمشاركة في اجتماعي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما يعتبر تطوراً دبلوماسياً في طريقة التعاطي الأميركي مع الجانب السوري، خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة قبل أسابيع عن تخفيض تصنيف البعثة السورية في الأمم المتحدة إلى بعثة لحكومة غير معترف فيها.
وكشفت معلومات عن منح التأشيرات اللازمة لوزير المالية وحاكم المصرف لحضور اجتماعات البنك الدولي في واشنطن، وكذلك منح تأشيرة سفر لوزير الخارجية أسعد شيباني إلى نيويورك لحضور جلسة لمجلس الأمن حول سوريا ولقاء عدد من الدبلوماسيين هناك.
وفي هذا السياق قال وزير المالية السوري: “لدينا برنامج حافل بالاجتماعات، ونأمل أن تسهم هذه اللقاءات في تعزيز جهود إعادة إعمار سوريا، ونتطلع لإعادة دمج سوريا في النظام المالي الدولي والعودة الفاعلة إلى المجتمع الدولي”.
طوال الفترة التي أعقبت سقوط نظام الأسد؛ اتسمت تصريحات المسؤولين الأميركيين -على ندرتها- بعدم وجود موقف واضح وحاسم تجاه حكومة دمشق، والتي تراقب بحذر الإشارات والتصريحات القادمة من واشنطن، وسط تساؤلات عن الدوافع التي تقف خلف النهج الأميركي الغامض؟ وعما إذا كان مجرد حذر استراتيجي؟ أم أن هناك اعتبارات أخرى تحكم السياسة الأميركية تجاه سوريا في هذه المرحلة؟
اقرأ أيضاً: تضم خمس دول.. تركيا تكشف عن «آلية إقليمية» بإدارة سورية وهدف محدّد!