في مقابلة صحفية له، تحدّث الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى صحيفة New York Times من قصر الرئاسة في العاصمة دمشق عن أبرز التحديات التي تواجه حكومته الجديدة، وعن رؤيته لمستقبل البلاد التي دخلت مرحلة انتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
مفاوضات عسكرية مع روسيا وتركيا
وفي المقابلة، كشف الرئيس أحمد الشرع أن الحكومة السورية تجري حالياً مفاوضات مع كل من روسيا (Russia) وتركيا (Turkey) بشأن الوجود العسكري على الأراضي السورية، ملمحاً إلى إمكانية تقديم هاتين الدولتين دعماً عسكرياً لحكومته الجديدة.
وأشار إلى أن روسيا، التي دعمت نظام الأسد عسكرياً على مدى سنوات، تملك مصالح استراتيجية في سوريا، أبرزها الحفاظ على قواعدها العسكرية، وقال: «يجب أن نأخذ هذه المصالح بعين الاعتبار»، مشدداً على أهمية استمرار التعاون الروسي، خصوصاً في مجالات التسليح والدعم الفني لمحطات الطاقة السورية.
وأشار الشرع إلى أن الحكومة السورية كانت قد طلبت من الكرملين تسليم بشار الأسد، الذي لجأ إلى روسيا بعد انهيار سلطته، إلا أن موسكو رفضت الطلب — في أول تصريح علني من الشرع عن هذا الرفض.
دعوة لرفع العقوبات عن سوريا
وفي رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة (United States)، طالب الشرع برفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أنها تعرقل جهود إعادة الإعمار وتؤثر سلباً على قدرة الحكومة الجديدة في إنعاش الاقتصاد السوري المنهك. وقال الشرع: «العقوبات فُرضت كردّ على جرائم ارتكبها النظام السابق ضد الشعب»، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية لا علاقة لها بتلك الانتهاكات.
وبينما خفّفت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤقتاً بعض العقوبات منذ استلامه السلطة، إلا أن الشرع شدد على ضرورة رفعها بشكل دائم. وأوضح أن سوريا تحتاج إلى دعم اقتصادي واسع للخروج من أزمتها.
ووفقاً لمصادر مطّلعة، فإن الولايات المتحدة قدّمت ثمانية شروط لرفع العقوبات، من بينها تدمير مخازن الأسلحة الكيميائية والتعاون في مكافحة الإرهاب. وقد علّق الشرع على ذلك قائلاً إن بعض تلك الشروط «تحتاج إلى نقاش أو تعديل»، دون أن يفصح عن تفاصيل إضافية.
قضية المقاتلين الأجانب ومصيرهم
أحد الملفات الحساسة التي تثير قلق الغرب، كما هو مُعلن، هو وجود آلاف المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في إسقاط سلطة الأسد، بعضهم يتولّى مناصب حكومية حالياً. ويرى المسؤولون الغربيون ضرورة إبعاد هؤلاء المقاتلين عن مواقع القرار كشرط لتخفيف العقوبات، نظراً لأن الكثير منهم يحملون أفكاراً متطرفة مقارنة بخطاب الشرع المعتدل نسبياً.
لكن الشرع يرى ضرورة تحقيق توازن بين متطلبات الغرب والحفاظ على استقرار البلاد، محذراً من أن استبعاد هؤلاء قد يدفعهم إلى حمل السلاح مجدداً أو تنفيذ عمليات انتقامية حسب قوله.
وفي حديثه للصحيفة، ألمح الشرع إلى إمكانية منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في البلاد و«وقفوا مع الثورة»، في إشارة إلى نية الحكومة السورية دمج هؤلاء في المجتمع السوري بدلاً من إقصائهم.
الانفتاح على «إسرائيل»
بالتوازي، أفاد عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز (Cory Mills) بأنه أجرى محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وتمحورت حول رؤيته لعملية الانتقال السياسي في سوريا، مشيراً إلى أن الشرع أبدى استعداداً للتقارب مع إسرائيل.
وفي تصريحات أدلى بها من إسطنبول (Istanbul) لقناة «التلفزيون العربي»، أوضح ميلز أن اللقاء مع الشرع تطرق إلى المسائل الأمنية، في محاولة لفهم طبيعة التحول السياسي المنتظر في سوريا، نحو ما وصفه بـ«الحوكمة والديمقراطية الحرة» عقب انهيار سلطة الأسد.
كما شملت المحادثات العلاقات السورية «الإسرائيلية» وقضايا الحدود، حيث أشار ميلز إلى أن الشرع أبدى انفتاحاً على فتح قنوات تواصل مع «إسرائيل»، بل وربما توسيع نطاق «اتفاقيات أبراهام» بحسب تعبيره.
اقرأ أيضاً: العداء الاقتصادي والازدواجية الغربية: متى ترفع العقوبات عن سوريا؟
وأشار كذلك إلى أن الرئيس السوري أعرب عن استعداده لمنع تمرير الأسلحة عبر الأراضي السورية التي قد تُستخدم في شن هجمات ضد «إسرائيل»، مضيفاً أن الشرع «يريد علاقات طيبة مع جميع دول الجوار».
وتجدر الإشارة إلى أن «اتفاقيات أبراهام» تمثل سلسلة من الاتفاقات التطبيعية بين «إسرائيل» وعدد من الدول العربية، بدأت في 13 أغسطس/آب 2020 بإعلان ثلاثي بين «إسرائيل» والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، ثم توسعت لتشمل البحرين في سبتمبر/أيلول، والسودان في أكتوبر/تشرين الأول، والمغرب في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
حول الموقف من العقوبات الأميركية ودور إيران
وفيما يخص العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق، لفت ميلز إلى أن الرئيس السوري أبدى قلقه من محاولات إيران زعزعة الاستقرار في البلاد. وأوضح أن قرار رفع العقوبات يبقى بيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى أن هذا الأمر مرهون بتحقيق عدد من الشروط، من بينها ضمان عدم تحول سوريا إلى أداة بيد النظام الإيراني، وضمان حرية تحرك الولايات المتحدة في الإقليم، فضلاً عن وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما تلك المرتبطة بالانتماء الديني، والوضع الاجتماعي.