وسط الأحداث التي شهدتها مناطق الساحل السوري، برزت الحاجة الملحة إلى تحقيق عادل وشفاف يكشف الحقائق ويوضح الملابسات، بعيداً عن التكهنات والتأويلات. فالمساءلة ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي جزء أساسي من تحقيق الاستقرار وحماية السلم الأهلي. وفي هذا السياق، أعلنت رئاسة الجمهورية العربية السورية تشكيل لجنة وطنية مستقلة لتقصي الحقائق حول هذه الأحداث، واضعة بذلك أساساً للتحقيق في التجاوزات وتحديد المسؤوليات.
تشكيل لجنة تحقيق وطنية مستقلة
أصدر رئيس الجمهورية قراراً يقضي بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في ملابسات الأحداث التي شهدتها مناطق الساحل السوري بتاريخ 6 مارس 2025. وتضم اللجنة مجموعة من القضاة والشخصيات القانونية التي تتمتع بخبرة واسعة في المجال القضائي والقانوني، ومن بينهم القضاة جمعة دبيس العنزي (عضو مؤسس في مجلس القضاء السوري الحرّ)، خالد عدوان الحلو (قاضٍ ومستشار قانوني سوري ومنسق مجموعة تنسيق العدالة الانتقالية في الحوار الوطني)، علي النعسان (قاضٍ سوري حاصل على إجازة في الحقوق من جامعة حلب)، علاء الدين يوسف لطيف (قاضٍ سوري)، هنادي أبو عرب (قاضية سورية حاصلة على دكتوراه في القانون الجنائي وماجستير في القانون ودبلوم في العلوم الجنائية).
إضافة إلى ذلك، تتضمن اللجنة العميد عوض أحمد العلي (محامٍ سوري شغل منصب رئيس فرع الأمن الجنائي في دمشق وانشق في العام 2012) والمحامي والباحث في القانون الدولي ياسر الفرحان.
ويهدف هذا القرار إلى توفير إطار قانوني للتحقيق في الأحداث التي شهدتها تلك المناطق، بما يضمن كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن أي انتهاكات قد تكون وقعت، سواء ضد المدنيين أو المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش.
اقرأ أيضاً: موجات نزوح كثيفة من الساحل السوري نحو شمال لبنان
مهام اللجنة وصلاحياتها
أُنيطت باللجنة الوطنية المستقلة مسؤولية إجراء تحقيق شامل حول الأسباب والعوامل التي أدت إلى اندلاع الأحداث في الساحل السوري. وتشمل مهامها الأساسية:
- الكشف عن الأسباب والملابسات: العمل على تحديد العوامل التي ساهمت في وقوع الأحداث، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو اقتصادية.
- التحقيق في الانتهاكات: فحص الادعاءات المتعلقة بأي تجاوزات ارتُكبت بحق المدنيين، وتحديد المسؤولين عنها.
- مراجعة الاعتداءات على المؤسسات العامة: التدقيق في الأضرار التي لحقت بالمؤسسات الحكومية والممتلكات العامة، ومعرفة الجهات المتورطة في هذه الأعمال.
- إحالة المتورطين إلى القضاء: تقديم نتائج التحقيق إلى الجهات المختصة لضمان محاسبة المسؤولين وفقاً للقوانين النافذة.
ومن أجل ضمان تنفيذ مهامها بكفاءة، تم منح اللجنة صلاحيات واسعة، من بينها الاستعانة بأي جهة تراها مناسبة من أجل جمع الأدلة والشهادات. كما أُلزمت الجهات الحكومية بالتعاون الكامل مع اللجنة لضمان سير التحقيق بسلاسة وسرعة.
التزام بالشفافية وتحديد المهلة الزمنية
عبّر البعض عن تشككه في النتائج التي ستصل إليها اللجنة، وذلك قبل أن تبدأ عملها حتّى، وذلك بالاستناد إلى تجارب السوريين الفاشلة السابقة مع اللجان الكثيرة التي شكلتها السلطة السابقة، ابتداءً من لجنة التحقيق في أحداث درعا عام 2011، وكذلك استناداً إلى تقارير لم تثبت مصداقيتها بخصوص بعض أعضاء اللجنة. لكن، ورغم أنّ الشكوك يجب أن تجعلنا متيقظين ونراقب – كشعب وإعلام – عمل اللجنة، فضمن الظروف الحالية ليس لدينا إلّا الأمل بأن تؤدّي اللجنة عملها كما ينبغي، ولو كان هذا الأمل حذراً.
هذا ويؤكد القرار الرئاسي على ضرورة إنجاز التحقيقات خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً، مما يعكس رغبة السلطات في تسريع الإجراءات وتحقيق العدالة في وقت قياسي. ويُنتظر أن ترفع اللجنة تقريرها النهائي إلى رئاسة الجمهورية، متضمناً النتائج التي توصلت إليها والتوصيات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث مستقبلاً.
اقرأ أيضاً: ردود الفعل الدولية والعربية على التطورات في الساحل السوري
يشار إلى أنه بالتوازي مع ذلك، وفي خطوة تهدف إلى تعزيز السلم الأهلي وضمان الاستقرار في سوريا، أصدر الرئيس أحمد الشرع قراراً يقضي بتشكيل لجنة عليا تُعنى بهذه المهمة أيضاً. وقد أُوكلت إلى اللجنة مهام أساسية، منها التواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري للاستماع إلى تطلعاتهم، وتقديم الدعم اللازم لتعزيز أمنهم واستقرارهم، إلى جانب العمل على توطيد الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة.