في ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في سوريا، عادت التحذيرات الدولية من احتمال عودة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) إلى الواجهة. فبعد خسارته لمناطقه الأساسية في العراق وسوريا، إلا أن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً أمنياً فيما يبدو، مستفيداً بذلك من الفراغ الأمني وعدم وحدة الصف السوري بظل مجموعة سلطات أمر واقع تفرض حدوداً فيما بينها حتى اللحظة.
النشأة والتطور: من «التوحيد والجهاد» إلى «داعش»
تعود جذور تنظيم «داعش» إلى عام 1999، عندما أسس الأردني أبو مصعب الزرقاوي جماعة «التوحيد والجهاد». في عام 2004، بايعت الجماعة تنظيم القاعدة وأصبحت تُعرف بـ «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين». لاحقاً لذلك، أعلن التنظيم عن تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق» عام 2006، ثم توسع إلى سوريا في عام 2013 تحت اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وفي وقت لاحق من العام 2014، أعلن أبو بكر البغدادي الخلافة الإسلامية، مُعلناً نفسه خليفة للمسلمين.
الهزيمة العسكرية والتحول إلى حرب العصابات
بحلول عام 2019، خسر التنظيم آخر معاقله في بلدة «الباغوز» في منطقة البوكمال بسوريا، بعد حملات عسكرية مكثفة من قبل «التحالف الدولي ضد الإرهاب» وقوات سوريا الديمقراطية «قسد». إلا أن التنظيم لم يُهزم بالكامل، بل تحول إلى خلايا نائمة تعتمد على حرب العصابات، مستهدفة القوات المحلية والمدنيين في مناطق متفرقة.
مؤشرات على عودة «داعش»
رغم التغيرات الأمنية والسياسية التي شهدتها سوريا، إلا أن خطر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لا يزال قائماً، وفقاً لتقارير وتحليلات حديثة. فقد أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن التنظيم أظهر نشاطاً متجدداً في سوريا، مستقطباً مقاتلين جدد وزيادة في عدد هجماته. ورغم أنه بعيد عن قوته السابقة، إلا أن الخبراء يحذرون من محاولاته لتحرير مقاتليه المحتجزين في سجون «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).
لكن، وفي حديث له حول الأمر، أوضح الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي، أن نشاط داعش مر بثلاث مراحل بعد سقوط نظام الأسد: الكمون، تصاعد بسيط، ثم تذبذب بين التصاعد والهبوط المفاجئ حسب تعبيره. ويشير إلى أن التنظيم له وجود فعلي على الأرض، لكنه لا يمتلك القدرة على تهديد السلم المجتمعي بشكل كبير حالياً.
السجون «جوهرة التاج»!
من جهته، أكد كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة صوفان، أن السجون والمعسكرات التي تضم مقاتلي داعش تشكل «جوهرة التاج» للتنظيم، محذراً من أن فتح هذه السجون سيعزز جهود التجنيد التي يبذلها التنظيم.
وفي تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية، خلص كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية في مارس الماضي إلى أن تنظيم داعش سيحاول استغلال سقوط نظام الأسد لتحرير السجناء وإحياء قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات.
من جهته، يرى الباحث السوري في مركز «حرمون للدراسات المعاصرة»، نوار شعبان، أن «داعش» تحول إلى جسم لا يستطيع العمل إلا في بيئة غير مستقرة أمنياً، ويفتقد الأدوات اللازمة للتحرك، مما يجعل من السهل ضبطه. ويعتبر أن الحديث عن امتلاك داعش لأدوات كثيرة للتحرك بالخفاء والقيام بعمليات ضخمة مثل فك سجنائه هو استخفاف بالقوى الاستخباراتية الموجودة على حدّ قوله.
ووفقاً لمسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن 294 هجوماً في سوريا عام 2024، بزيادة عن 121 هجوماً في 2023. وقدّرت «لجنة مراقبة تنظيم الدولة» التابعة للأمم المتحدة عدد الهجمات بنحو 400 هجمة العام الماضي، بينما قال مراقبو حقوق الإنسان في سوريا إن العدد أعلى من ذلك.
ويشير الباحث عرابي إلى أن المخاوف والتحذيرات المتعلقة بنشاط داعش في سوريا الآن «أمنية لا عسكرية»، ويعتقد أن التنظيم له قدرة على النشاط الأمني داخل المدن. وتذهب التقديرات غير الرسمية إلى أن عدد عناصر داعش في سوريا الآن، وخاصة في منطقة البادية السورية الصحراوية، لا يتجاوز ألف عنصر.
كما يعتقد أن «داعش في سوريا الآن لا يمتلك سلسلة قيادة متكاملة ويحتاج لإعادة هيكلة»، مضيفاً أن هناك خلافات ضمن القيادة العليا تجاه آلية العمل في سوريا، مما يجعل مؤشرات تحركه غير واقعية في الوقت الحالي.
اقرأ أيضاً: قتلى باشتباكات بين تحرير الشام وخليّة من داعش شمال إدلب
ختاماً، يظهر أنه رغم الهزائم العسكرية التي مُني بها تنظيم «داعش»، إلا أن الظروف الحالية في سوريا تُنذر بإمكانية عودته إلى الساحة. فالفراغ الأمني، والانقسامات الداخلية، والتحديات الاقتصادية عواملٌ تُشكل بجملتها بيئة مواتية لعودة التنظيم، الأمر الذي يتطلب تنسيقاً دولياً ومحلياً محكماً لمنع التنظيم من استعادة قوته وتهديد استقرار المنطقة من جديد.