شهدت مدينة الحسكة وقفات شعبية احتجاجية نظمتها أحزاب كردية رفضاً للإعلان الدستوري الذي أقرّته سلطة دمشق مؤخراً، ووقّع عليه رئيس المرحلة الانتقالية في البلاد أحمد الشرع، بسبب عدم تضمن الإعلان أيّ إشارة إلى حقوق الأكراد في رسم مستقبل البلاد، وفقاً لما رفعه المتظاهرون خلال الوقفات.
إلى ذلك أعلن مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، أن الإعلان الدستوري لا يتماشى مع اتفاق أحمد الشرع ومظلوم عبدي الذي تم توقيعه قبل أيام، واعتبر “مسد” أن الإعلان يشكّل تراجعاً عن التفاهمات السابقة.
وقال مجلس سوريا الديموقراطية في بيان له إن الإعلان الدستوري “لا يعكس تطلعات الشعب السوري ولا يحقق التحوّل الديمقراطي المنشود، كما أنه سيكّرس الحكم المركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، وسيقيّد العمل السياسي، ويجمّد تشكيل الأحزاب، وسيعطل مسار التحوّل الديمقراطي ويعمق الأزمة الوطنية”.
من جانبه أعلن المجلس الوطني الكردي رفضه الإعلان الدستوري، لأنه كتب بعقلية تقوم على “أمة واحدة ودين واحد”، ولم يضمن حقوق المكونات القومية والدينية في البلاد.
وقال شلال كدو رئيس حزب الوسط الكردي السوري إن “الدستور المؤقت لسوريا لم يكن مفاجئاً، لكن الشعب السوري كان يأمل بدستور أفضل، والمكونات السورية اليوم غير راضية عن هذا الدستور المؤقت”، وحذّر من أن الإعلان الدستوري خطوة خطيرة في بلد متعدد القوميات والمكونات، وتبرز العديد من المشاكل بسببه.
وطرح رفض الأحزاب الكردية البارزة شمال شرق سوريا للإعلان الدستوري تساؤلات جدّية حول مصير الاتفاق بين الشرع وعبدي، وهل سيكون ذلك بمثابة العودة إلى نقطة الصفر يين الطرفين؟ خاصّة بعد تأكيد وزير الخارجية التركي أن بلاده تريد من جميع الفصائل الكردية المسلّحة في سوريا تفكيك نفسها وتسليم أسلحتها.
اقرأ أيضاً: ماذا تضمن إعلان مجلس الأمن حول سوريا؟
الاتفاق مع دمشق
بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بدأت الإدارة السياسية الجديدة في سوريا مفاوضات مكثفة مع قوات سوريا الديموقراطية، وأثمرت المباحثات عن اتفاق يقضي بدمج “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية.
ونصّ الاتفاق بين الطرفين على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة ضمن العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
كما أكد الاتفاق على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
وتضمن الاتفاق وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، مع دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
وأكد قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أن الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكوناتها وتضمن حسن الجوار، وقال: “نعمل سوياً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار، وملتزمون ببناء مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين ويحقق تطلعاتهم في السلام والكرامة”.
اقرأ أيضاً: ما سرّ الموقف التركي الحذر من اتفاق قسد وسلطة دمشق؟
الأكراد يبحثون عن حقوقهم
تشير التقديرات إلى أن الأكراد يشكّلون نسبة 15% من عدد السكان في سوريا، ويصل تعدادهم إلى أكثر من 3 ملايين نسمة، يتمركز غالبيتهم في شمال شرق البلاد ضمن مدن الرقة والحسكة والقامشلي، وبعضهم في ريف حلب، بينما ينتشر بعضهم الآخر في دمشق وريفها.
شارك الأكراد إلى جانب بقية السوريين في الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، حيث برز اسم القائد العسكري الكردي إبراهيم هنانو، من قرية كفر تخاريم التابعة لمحافظة إدلب، ليكون مدافعاً قوياً عن استقلال الوطن، وكان هنانو أحد القادة البارزين الذين أطاحوا بالقوات الفرنسية؛ كما كان لسوريا 3 رؤساء من أصل كردي بين عامي 1949 و1954 هم: حسني الزعيم، وفوزي سلو، وأديب الشيشكلي.
عام 1962، ألغت الحكومة السورية جنسية 120 ألف كردي، بزعم أنهم دخلوا البلاد بشكل غير قانوني من العراق وتركيا، ولم يتمكن الأكراد طوال السنوات اللاحقة من الحصول على حقوقهم الأساسية، ومنها “الهوية الشخصية السورية”.
عام 2004 كان مفصلياً لأكراد سوريا، حيث شهدت مدينة القامشلي أعمال شغب واسعة النطاق، عندما تحوّلت مباراة كرة قدم إلى أحداث عنف دموية، وامتدت الاشتباكات إلى الحسكة ودير الزور، قبل أن تنجح القوات الأمنية في ضبط الأمور، لتبدأ بعدها الحكومة السورية باتخاذ إجراءات تضييق مشددة على الأكراد.
بعد العام 2011 عمدت فصائل كردية إلى تسليح نفسها وتثبيت مواقعها في مناطق شرق الفرات، قبل أن تؤسس عام 2015 “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تضم نسبة كبيرة من الأكراد إلى جانب مشاركة ضئيلة لبعض العشائر العربية والسريانية، وخاضت “القوات” عمليات عسكرية إلى جانب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في الشرق السوري.
في العام 2016 أعلنت قوى كردية عن تأسيس نظام فدرالي ضمن مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، تحت اسم “الإدارة الذاتية”، وضم محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، في مشروع اعتبره الكثيرون نواة لتحقيق “الحكم الذاتي الكردي”.
إلا أن الاتفاق الأخير بين “قسد” وسلطة دمشق شكّل فرصة لإعادة دمج مناطق شرق الفرات في الدولة السورية، قبل أن يأتي الإعلان الدستوري ليكون “تراجعاً عن ذلك الاتفاق”، بحسب ما ذكره مجلس سوريا الديموقراطية، فهل تشهد المباحثات المستمرة بين الطرفين حلولاً للهواجش التي تعيشها الاحزاب الكردية؟
اقرأ أيضاً: ماذا يعني اتفاق سلطة دمشق وقسد؟