في عالم مترابط يعتمد بشكل كبير على الأنظمة المالية العالمية، تُعَدّ القدرة على الوصول إلى شبكات التحويلات المالية الدولية أمراً حيوياً لاقتصاد أي دولة. وبالنسبة لسوريا، كان الانقطاع عن نظام «سويفت» بمثابة عزل مالي أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. ومع التغيرات السياسية الأخيرة، يبرز التساؤل حول إمكانية إعادة دمج سوريا في هذا النظام ودور ذلك في إنعاش اقتصادها.. لنناقش هذا معاً!
ما هو نظام سويفت؟
في البداية، لا بدّ من التعريف بنظام «سويفت» (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)، فهو شبكة عالمية تُستخدم من قبل المؤسسات المالية لتبادل المعلومات المالية بشكل آمن وفعال. تأسست هذه الجمعية عام 1973 ومقرها الرئيسي في بلجيكا، وتضم أكثر من 11000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة.
يوفر «سويفت» رموز تعريفية فريدة تُعرف باسم رموز معرف البنك (BICs) لتسهيل المعاملات، لكنه لا يحتفظ أو ينقل الأصول بنفسه. وقبل اعتماده، كان نظام «التلكس» هو الوسيلة الرئيسية للتحويلات الدولية، لكنه كان بطيئاً وعرضة للأخطاء. اليوم، يُعتبر سويفت العمود الفقري للمدفوعات الدولية، حيث يتيح للبنوك إرسال رسائل موحدة حول عمليات تحويل الأموال وأوامر الشراء والبيع للأصول.
استبعاد سوريا من سويفت
أدى استبعاد سوريا من نظام سويفت إلى عزلها مالياً عن العالم الخارجي، الأمر الذي أعاق قدرتها على إجراء التحويلات المالية الدولية وتلقي الاستثمارات الأجنبية. وهذا العزل المالي كان جزءاً من سلسلة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سوريا، ما أدى إلى شل القطاع المصرفي والمالي في البلاد.
ووفقاً لتصريحات رئيس هيئة الاستثمار السورية أيمن حموية، فإن العقوبات الغربية على القطاع المصرفي السوري تمنع الاستثمارات الحيوية في الاقتصاد المدمر بسبب الحرب رغم الاهتمام الكبير من المستثمرين السوريين والأجانب منذ سقوط نظام بشار الأسد.
«سويفت» وإنعاش الاقتصاد السوري!
يرى الخبراء الاقتصاديون أن إعادة دمج سوريا في نظام سويفت هو خطوة حاسمة لانتعاش الاقتصاد السوري. فهذا سيمكن البنوك السورية من إعادة التواصل مع النظام المالي العالمي، مما يسهل تدفق الاستثمارات الأجنبية وعودة رؤوس الأموال المهاجرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك سيساعد في تسهيل التحويلات المالية، مما يعزز التجارة الدولية ويعيد الثقة في الاقتصاد السوري.
وكان قد أكد وزير الاقتصاد والصناعة السوري الدكتور محمد نضال الشعار أن السماح لسوريا بالعودة إلى نظام «سويفت» المالي العالمي سيكون له تأثير مباشر ومفيد في إنعاش الاقتصاد السوري الذي يعاني منذ سنوات طويلة من العزلة المالية الدولية.
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات على عدد من القطاعات، ما هي؟
وجاء ذلك في مقابلة خاصة أجراها الوزير الشعار مع قناة «الشرق»، حيث أوضح أن هذه الخطوة من قِبل الولايات المتحدة لن تكون مكلفة سياسياً أو اقتصادياً بالنسبة لها، لكنها ستمنح الاقتصاد السوري دفعةً هائلةً وفورية، واصفاً القطاع المصرفي بأنه «شريان الحياة لأي اقتصاد في العالم».
وشدد الوزير الشعار خلال حديثه على أهمية عودة سوريا للاندماج بالنظام المالي العالمي، لافتاً إلى أن نجاح إعادة إعمار البلاد وتحقيق النمو الاقتصادي يعتمد بدرجة كبيرة على التعاون مع المجتمع الدولي، مؤكداً أن سوريا الجديدة ستكون دولة منفتحة ومسالمة، تسعى لبناء علاقات ودية وإيجابية مع الجميع.
إجراءات منتظرة وتحديات محتملة
في فبراير 2025، قرّر الاتحاد الأوروبي تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا، بما في ذلك تقديم إعفاءات من حظر العلاقات المصرفية بين البنوك السورية والمؤسسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي للسماح بالمعاملات المتعلقة بقطاعات الطاقة والنقل، وكذلك تلك الضرورية لأغراض إعادة الإعمار. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة، بما في ذلك ضرورة رفع العقوبات الأمريكية وضمان استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.
لكن، مع التغيرات السياسية الأخيرة، هنالك تفاؤل حذر بشأن إمكانية إعادة دمج البلاد في نظام سويفت. إذ يتطلب ذلك تعاوناً دولياً ورفعاً كاملاً للعقوبات المفروضة، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية داخلية تعزز الشفافية وتعيد بناء الثقة مع المجتمع الدولي.
ختاماً، يشار إلى أن إعادة دمج سوريا في نظام سويفت ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو بمثابة بوابة لإعادة بناء الاقتصاد السوري ودمجه في النظام المالي العالمي. ولذلك، فإن بذل جهود كبيرة في هذا الإطار، هو ضرورة وطنية كبرى، غير أنه يتطلب جهوداً متضافرة من الحكومة السورية والمجتمع الدولي، وذلك لرفع العقوبات، وتعزيز الاستقرار، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لضمان تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام.