شهد الساحل السوري في يومي 6 و8 آذار 2025 أحداثاً دامية أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا، مما أثار استنكاراً واسعاً ودعوات لوقف إراقة الدماء، خاصة أنّه أعاد إلى أذهان الكثير من السوريين ويلات الحرب العسكرية التي عانى منها جميع السوريين، دون استثناء. وقد أعلنت عدة جهات – أحزاب وهيئات مستقلة وأفراد – أنّ الدم السوري حرام، مؤكدة ضرورة استعادة الأمن والحفاظ على أرواح المدنيين، وعدم السماح بانتهاكات تزيد الاحتقان في المشهد السوري، وتعقّد مرحلة بناء الدولة الشاملة أكثر ممّا هي معقّدة.
الصراع والضحايا والنفير العام
في 6 آذار، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن السورية التي شكّلتها السلطة المؤقتة لتحلّ محلّ الأجهزة الشرطية والأمنية السابقة في ضبط الأمن وتنفيذ القانون، ضدّ مجموعات مسلّحة موالية للنظام السابق في ريف اللاذقية. أسفرت هذه الاشتباكات في البداية عن مقتل 15 عنصراً من قوات الأمن في كمائن نصبها المسلحون. مع تصاعد حدة الاشتباكات وفقدان القوات الأمنية السيطرة على العديد من المناطق، تمّ إعلان “النفير العام”، وأرسلت السلطة السورية المؤقتة تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة لاحتواء الوضع.
بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، قامت المجموعات المسلحة بقتل ما مجموعه 89 عنصراً من الأمن العام ووزارة الدفاع، بينما تمكّن هؤلاء من قتل 120 من أفراد المجموعات المسلحة.
وفي مشهد يدعو للأسف الشديد، قامت مجموعات مسلحة مجهولة حتّى اللحظة، يُعتقد بأنّها جاءت بشكل غير منظّم إلى منطقة الساحل، مع التعزيزات العسكرية، بارتكاب عمليات قتل وإعدام ضدّ مدنيين. حيث وقع، بحسب المرصد، أكثر من 340 مدنياً ضحيّة لهذه الأحداث غير المنضبطة، من بينهم عائلات كاملة وأطفال.
اقرأ أيضاً: هل تمتلك سوريا الأسلحة الكيميائية حقّاً؟
تعليقات السلطة في دمشق
في أول تعليق له على الأحداث، صرح الرئيس أحمد الشرع: “إنكم بفعلكم الشنيع بقتل من يحمي سورية قد اعتديتم على كل السوريين وبهذا لقد اقترفتم ذنبا لايغتفر وقد جاءكم الرد الذي لاصبر لكم عليه فبادروا إلى تسليم سلاحكم وأنفسكم”. وأكّد على ضرورة حماية المدنيين الذين لا علاقة لهم بالاشتباكات، حين قال: “أهلنا في الساحل في مناطق الاشتباك جزء من مسؤوليتنا والواجب علينا حمايتهم”.
من جانبه، كشف رئيس جهاز الاستخبارات العامة السوري، أنس خطاب، عن تفاصيل التحقيقات في أحداث الساحل السوري، مشيراً إلى أن بعض “العصابات الفارة من العدالة استغلت الأوضاع السابقة والظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، حيث ورثت نظاماً فاسداً مجرماً بكل المقاييس، وراحت تخطط لضرب الوجه الجديد لسوريا المستقبل”.
وفي تصريح من مصدر في وزارة الداخلية السورية، جاء: “بعد قيام فلول النظام البــائد باغتـيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية، ونعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري”.
ومن جهتها قالت الصحة السورية إن 6 مستشفيات بريفي اللاذقية وطرطوس “تعرضت الليلة الماضية لهجمات مباشرة من قبل فلول النظام البائد” بحسب ما نقل رسمياً عن الوزارة.
التعليقات العربية والدولية
أدانت المملكة العربية السعودية الجرائم التي تقوم بها مجموعات خارجة عن القانون في سوريا، وأكدت وقوفها إلى جانب الحكومة السورية في جهودها لحفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم الأهلي. حيث أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانتها للجرائم التي تنفذها مجموعات خارجة عن القانون في سوريا، وذلك بعد ليلة دامية في الساحل السوري. وقد حذت قطر ومصر وغيرها حذو المملكة في دعم جهود الاستقرار في سورية، ودعم إجراءات الحكومة السورية لاستعادة الأمن والاستقرار.
أمّا روسيا، وهي التي لا تزال تمتلك قاعدة عسكري في منطقة حميميم في الساحل السوري، فقد عبّرت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، عن قلقها إزاء تدهور الوضع في سوريا، داعيةً جميع القادة السوريين إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف إراقة الدماء وحماية المدنيين.
وعبّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، عن بالغ انزعاجه من الاشتباكات العنيفة وسقوط الضحايا المدنيين. ودعا بيدرسون جميع الأطراف إلى الامتناع عن التصعيد والعمل من أجل الحفاظ على الاستقرار والبدء بعملية سياسية شاملة.
اقرأ أيضاً: تركيا: لا لتقسيم سوريا.. ومسؤول أمريكي: لن تكون فيدرالية!
رفض التدخل الخارجي
عبّرت العديد من القوى والأحزاب والأفراد السوريين عن مواقفهم تجاه ما حدث، وكانت مجمل التعليقات تطالب بضبط الأمن وتجنيب المدنيين المعاناة. ونأخذ مثالاً عليها “نداء للوطنيين السوريين”، وهو العريضة المفتوحة للتوقيع التي جاء فيها أنّ القوى والأفراد الموقعين، وبسبب حرصهم على السلم الأهلي في سورية، يشددون على ثلاثة نقاط: الأولى: “دم السوري على السوري حرام. والأولوية هي لتحكيم العقل والخطاب الوطني الجامع المترفع عن الفتن الطائفية والدينية…”، والثانية: “نرفض أي تدخل خارجي من أي جهة كانت، ونرفض أي دعوات لما يسمى «حماية دولية»، ونرفض على الخصوص التدخلات الصهيونية المعلنة وغير المعلنة، وبمختلف أشكالها”، والثالثة: “لم تشكل الحلول الأمنية البحتة، لا سابقاً ولا الآن، مخرجاً من الأزمات الوطنية، بل كانت تعمقها. ولذا فإن الحل الوحيد لأزمات البلاد، والمخرج الوحيد من نفق الاقتتال المقيت، هو الحوار الوطني الحقيقي بين كل السوريين، والحل السياسي الجامع الذي يمكن لحكومة وحدة وطنية وازنةٍ وواسعة التمثيل أن تكون مدخلاً حقيقياً نحوه”.
في الختام، لا يمكن إلّا القول بأنّ الأحداث الدامية التي شهدها الساحل السوري بين 6 و8 آذار 2025 تُبرز الحاجة الملحة إلى تكاتف الجهود الوطنية لوقف إراقة الدماء وحماية المدنيين. إن الدم السوري غالٍ، ويجب أن تتضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها، ومنع أي جهة تخريبية، سواء فلول النظام ومليشياته، أو أي مجموعات غير منضبطة، من العبث باستقرار سورية.