ذكرت وكالة رويترز أن تركيا تشعر بتفاؤل “حذر” تجاه الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين قوات سوريا الديمقراطية وسلطة دمشق مؤخراً، وأن أنقرة تريد رؤية كيف سيتم تنفيذ الاتفاق في هذه المرحلة.
ونقلت الوكالة عن مصدر تركي قوله: “الاتفاق لم يغيّر من عزم تركيا على مكافحة الإرهاب؛ أنقرة مازالت مصرّة على مطلبها، وهو تفكيك ونزع سلاح وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية وتعتبرها تركيا “منظمة إرهابية”.
وتابع المسؤول التركي للوكالة -مشترطاً عدم الكشف عن هويته- بأنه من غير المقبول أن تدخل وحدات حماية الشعب المؤسسات السورية دون تفكيك سلسلة قيادتها.
وحول الاتفاق بين سلطة دمشق وقسد، قالت صحيفة “صباح” التركية إن الاجتماع يُعتبر “بداية عصر جديد في سوريا؛ توقيع اتفاقية انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري”، في حين أشارت صحيفة “قرار” إلى أن الاتفاق “يشكل نقطة تحول مهمة في عملية إعادة الإعمارفي سوريا بعد الحرب”.
واعتبرت الصحيفة أن “دمج الأكراد في العملية السياسية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإرساء وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد خطوات حاسمة لتحقيق الاستقرار في سوريا على المدى الطويل”.
وشددت على أهمية “نقل السيطرة على حقول النفط والغاز الطبيعي إلى دمشق من أجل التعافي الاقتصادي للبلاد”، مشيرة إلى أن”التداعيات الإقليمية لهذه التطورات في سوريا ستتضح خلال الفترة المقبلة”.
ومساء الاثنين الماضي، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على اتفاق دمج الأخير في مؤسسات الدولة، وذلك ضمن مساعي دمشق لحل كافة الفصائل المسلحة وبسط سيطرتها على كافة التراب الوطني وإعلان وقف شامل لإطلاق النار.
بنود الاتفاق بين دمشق وقسد
نصّ الاتفاق بين الطرفين على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة ضمن العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
كما أكد الاتفاق على أن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
وتضمّن الاتفاق وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، مع دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولةالسورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.
وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية السورية فإن الاتفاق ينصّ على ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلادهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية، مع رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري، إضافة إلى ضمان الدولة السورية في نصّ الاتفاق حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة ضمن العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
وبما يخصّ المدة الزمنية لسريان الاتفاق، فقد أشار محتوى الورقة المنشورة حول مجريات لقاء الشرع وعبدي إلى عمل اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تكثيف اللقاءات الفنية بين خبراء من سلطة دمشق وقسد لبحث النقاط التفصيلية لتنفيذ بنود الاتفاق، خاصّة ما يتعلّق بملف دمج الأكراد ضمن صفوف الجيش السوري الجديد، وموضوع حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها قسد ونقلها لتصبح تحت إشراف سلطة دمشق.
تركيا حذرة والتاريخ يشهد
عام 1978، وتحديداً في قرية “ليجه” جنوب تركيا، أسس مجموعة من الطلاب الكرد بقيادة عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني، بسبب ما اعتبروه “اضطهاد الكُرد في تركيا”.
وبدأ الحراك المسلّح للحزب في تركيا عام 1984، عندما أعلن “العمّال” بدء الانتفاضة الكردية، عبر شن هجمات واسعة داخل تركيا، فيما ردّت أنقرة بعمليات عسكرية واسعة ضد الجماعة.
ونجحت أنقرة في عام 1999، في إلقاء القبض على زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان في نيروبي عن طريق جهاز الاستخبارات الوطنية التركية، واقتُيد لاحقاً إلى تركيا وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد.
يُصنف حزب العمّال الكردستاني في قائمة المنظمات الإرهابية على لوائح الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وإيران وسوريا وأستراليا ومجموعة من الدول العربية.
في المقابل اعتبر زعيم حزب العمال الكردستاني عبد أوجلان أن السبب الوحيد في وضع اسم الحزب على قائمة المنظمات الإرهابية هي المصالح الاقتصادية والسياسية لتركيا مع الدول الغربية.
رغم وجود أوجلان في السجن، تابع الحزب نشاطه السياسي والعسكري في سوريا والعراق وتركيا، وشن عشرات الهجمات الدموية ضد القوات التركية والمدنيين، ومع بدء الحرب في سوريا نقل الحزب جزءاً كبيراً من قواته إلى شمال شرق سوريا، وهو ما اعتبرته أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
عمليات عسكرية ومنطقة آمنة
وجود حزب العمّال الكردستاني داخل سوريا وقتاله إلى جانب قوات سوريا الديموقراطية على الحدود مع تركيا شكّل مصدر قلق كبير لأنقرة، لذلك طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بطرد المنظمات التي تصفها أنقرة “إرهابية” وإنشاء منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي مع سوريا بعمق 32 كيلومتراً، وعلى طول 460 كيلومتراً، لتشمل محافظات حلب والرقة والحسكة.
لم يستجب الأكراد للطلبات التركية المتواصلة، ما دفع أنقرة للتحرك العسكري داخل سوريا بدايةً من الشهر الثامن في العام 2016، حيث أعلن الجيش التركي عن عملية “درع الفرات” في منطقة ريف حلب الشمالي والغربي بهدف طرد الجماعات الكردية في المنطقة، ونجحت حينها تركيا في السيطرة على قرى وبلدات عديدة وإبعاد الأكراد عنها.
في العام 2018 شنّت تركيا عمليتها العسكرية الثانية في سوريا، وحملت عنوات “غصن الزيتون”، واستهدفت معقل الأكراد الرئيسي في مدينة عفرين بريف حلب، ونجحت أنقرة بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” بالسيطرة على المدينة وإبعاد الأكراد عنها.
في تشرين الأول عام 2020، أطلق الجيش التركي عمليته العسكرية الثالثة داخل الأراضي السورية، واستهدفت هذه المرة المنطقة الممتدة بين ريفي الحسكة والرقة، وحملت العملية اسم “نبع السلام”، وتمكنت تركيا من توسيع مناطق نفوذها من ريف حلب نحو الشمال الشرقي من سوريا.
بين عامي 2021 و2024، شن القوات التركية هجمات واسعة على البُنى التحتية والمراكز الحيوية والمقرات الرئيسية لقوات سوريا الديموقراطية شمال شرق سوريا، ردّاً على هجمات انتحارية في أنقرة وإسطنبول استهدفت مراكز حيوية وأدت إلى وقوع عشرات الضحايا، حيث اتهمت الحكومة التركية حزب العمّال الكردستاني بالمسؤولية عن الهجمات.
رسالة أوجلان
قبل أيام نقلت مصادر كردية رسالة من زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان يدعو فيها المقاتلين الأكراد إلى إلقاء السلاح وتحمله المسؤولية التاريخية عن هذا القرار.
الرسالة لاقت ترحيباً إقليمياً واسعاً سيما من العراق وتركيا، وتم اعتبارها بداية لإنهاء العمل العسكري الكردي في الشرق الأوسط، فهل كانت دعوة أوجلان هي المقدمة للاتفاق بين سلطة دمشق وقسد وغض الطرف التركي عنه؟
اقرأ أيضاً: ماذا يعني اتفاق سلطة دمشق وقسد؟