بطلب روسي – أمريكي مشترك، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة مغلقة، مساء أمس، لمناقشة التطورات الأمنية الأخيرة في سوريا، بعد الأنباء التي أكدت سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين في الاشتباكات المتواصلة التي يشهدها الساحل السوري، فما الهدف الذي تسعى موسكو لتحقيقه من هذه الجلسة؟
مساء الأحد، وزعت البعثة الدنماركية في مجلس الأمن بياناً مقتضباً قالت فيه إن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، سيقدّم إحاطة لأعضاء المجلس خلال الجلسة حول حقيقة ما يجري على الأراضي السورية.
وتشهد مناطق مختلفة من الساحل السوري منذ أيام تصعيداً عسكرياً هو الأكبر من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول\ديسمبر الماضي، وأدى التصعيد إلى وقوع عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين.
وعقب الاجتماع المُغلق، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن أعضاء مجلس الأمن الدولي متحدون في موقفهم بشأن رفض استخدام العنف في سوريا.
وقال نيبينزيا للصحفيين: “كان المجلس متحداً فيما ناقشناه، وتحدث الجميع، لا أقول بصوت واحد، لكن الجميع أكدوا على العناصر ذاتها: عدم جواز ما حدث من القتل الجماعي والعنف”.
التحرك السياسي الروسي في مجلس الأمن جاء بعد تسريبات أوروبية عن خسارة كبيرة تعرّض لها بوتين بعد الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث ذكرت صحيفة التلغراف البريطانية، أن سقوط الأسد كشف الضعف الحقيقي لروسيا في المنطقة، بعد الضربات المباشرة التي وجهتها أوكرانيا وإسرائيل ضد روسيا وحلفائها مثل إيران و”حزب الله”، بدعم مستمر من الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة إن الضغوط على إيران وروسيا أدت إلى تفكك تحالفاتهما في المنطقة، وهو ما أدى إلى تراجع القوة الإيرانية في سوريا، وبدأت روسيا تضعف في المنطقة.
لذلك فإن عقد جلسة مجلس الأمن الدولي يُعتبر، بحسب المصدر، ضغطاً روسياً على الدول الأوروبية الداعمة للإدارة السياسية في سوريا، والتي تُطالب بإبعاد موسكو عن الملف السوري وسحب قواعدها من المنطقة الساحلية.
وحول الوضع في الساحل السوري، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التأكيد على قلقه إزاء تصاعد التوترات في سوريا، ودعا لتوقف إراقة الدماء على الفور ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن غوتيريش أكد أهمية العدالة الانتقالية والمصالحة الشاملة والشفافة من أجل السلام المستدام والحاجة إلى ضمان عمل وسائل الإعلام المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان في سوريا.
من جانبه دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، إلى وقف فوري لمقتل المدنيين جراء الهجمات التي يشهدها الساحل السوري، مطالباً سلطة دمشق بفتح تحقيق سريع حول الأمر.
اقرأ أيضاً: قرار رئاسي بتشكيل لجنة للحفاظ على السلم الأهلي في الساحل السوري
أوراق تفاوضية متبادلة
في 12 شباط/فبراير الماضي ذكرت وكالة “ريا نوفوستي-RIA Novosti” أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الانتقالي في سوريا أحمد الشرع، أكد فيه على موقفه المبدئي الداعم لوحدة وسيادة وسلامة أراضي سوريا، واستعداد موسكو الدائم للمساعدة في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية لشعبها.
وقبل ذلك بأيام، زار ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة امسؤول روسي منذ سقوط نظام الأسد.
وكالة “رويترز” نقلت عن مصادر دبلوماسية قولها، إن الرئيس السوري أحمد الشرع طالب روسيا بأموال أودعها الرئيس المخلوع بشار الأسد في موسكو، لكن المصادر أكدت أن الوفد الروسي الذي زار دمشق أبلغ الشرع أن الأسد لم يودع أموالاً في روسيا.
كما كشفت المصادر أن المحادثات الروسية – السورية تناولت الديون السورية لروسيا والتي تناهز 23 مليار دولار، وطالبت دمشق موسكو بإلغائها.
وشملت المباحثات بين الطرفين مصير قاعدتي طرطوس وحميميم العسكريتين، واللتين تقعان على مقربة من الاشتباكات الأخيرة في الساحل السوري، وفي هذا الاتجاه ذكرت مصادر لرويترز أن موسكو أبدت استعدادها لتقديم مساعدات إنسانية لسوريا، مقابل التقدم في المفاوضات حول القواعد الروسية.
اقرأ أيضاً: روسيا تؤكد عقد “أستانة 22” قبل نهاية عام 2024
هل استجابت روسيا للضغط الشعبي؟
مع اشتداد المعارك في الساحل السوري وارتفاع عدد الضحايا من المدنيين خرجت أصوات عديدة تطالب بحماية دولية لمناطق الطائفة العلوية في البلاد، حيث دعا المجلس الإسلامي العلوي في سوريا كلٍ من روسيا والأمم المتحدة لفرض الحماية الدولية في الساحل.
بالمقابل هرب الآلاف من أهالي مدن الساحل إلى قاعدة حميميم الروسية في جبلة، ورفضوا الخروج منها وطالبوا بحماية دولية، بسبب ما أسموه “الانتهاكات” التي تعرّضوا لها من قبل “العناصر المنفلتة”.
وفي هذا السياق أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن “مظاهر العنف في سوريا تثير قلق روسيا، وهذه القضية بحاجة إلى المعالجة بشكل عاجل بما في ذلك في الأمم المتحدة لتطبيع الوضع”، وربما هذا ما يفسّر التوجه الروسي للمطالبة بعقد جلسة طارئة لمجلسة الأمن لمناقشة الوضع في سوريا.
وكانت روسيا حليفة رئيسية لنظام الأسد، لفترة طويلة وتدخلت عسكرياً عام 2015 لمساعدته على استعادة أراض من المعارضة خلال الحرب التي استمرت أكثر من 14 عاماً، لكن الهجوم الخاطف الذي شنته المعارضة المسلحة بزعامة “تحرير الشام” في أواخر العام الماضي دفع الأسد إلى الفرار من دمشق إلى قاعدة حميميم الجوية ومنها إلى موسكو حيث حظي بالحماية الروسية.
اقرأ أيضاً: اللواء علي مملوك يجتمع في روسيا مع مستشاري الأمن القومي للبحرين وعُمان والعراق