أربعة أيام من الصقيع القاسي في شهر شباط الماضي كانت كفيلة بإلحاق أضرار فادحة بالمحاصيل الزراعية داخل البيوت المحمية “البلاستيكية” في محافظة طرطوس، إذ أفادت التقارير بأن أكثر من 100 مزارع تأثروا جراء هذه الظروف المناخية الصعبة.
تركزت أضرار موجة الصقيع في قرى حريصون والقلوع وابتله ومحورته وراس الوطى في منطقة بانياس، وبلغ عدد البيوت المحمية المتضررة أكثر من 1200 بيت، وأصاب محصول البندورة القسم الأكبر من الضرر، حيث أصيب حوالي 900 بيت، بينما لحقت أضرار أيضاً بمحاصيل الكوسا والخيار والفليفلة.
وفي هذا الصدد، أعرب مزارعون في تلك المناطق عن قلقهم الشديد جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت بالخضراوات الشتوية، والتي أدت إلى نقص حاد في المعروض، ما ساهم في ارتفاع أسعار الخضراوات.
ولفت أحد المزارعين إلى أن موجة الصقيع دمرت شتول الكوسا والخيار والفليفلة وغيرها من المحاصيل، التي كانت تمثل مصدر دخل رئيسي لهم في الأشهر القادمة، وأن الكثير من المزارعين كانوا قد استدانوا مبالغ مالية لتأمين زراعة هذه المحاصيل، في وقت أصبحت فيه تكاليف الزراعة مرتفعة للغاية، بسبب زيادة أسعار المواد الأساسية والمازوت وأجور العمالة.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي إلى أين في السنوات المقبلة؟
من جهتهم، أكد تجار الخضراوات في المنطقة أن الأسعار المرتفعة دفعتهم إلى تقليص كميات الشراء، حيث أصبح بعضهم متردداً في الشراء في وقت تعاني فيه الأسواق من نقص السيولة النقدية، نتيجة رفض المزارعين التعامل بالتحويلات البنكية.
وبالطبع، لم تقتصر أضرار موجة الصقيع على المزارعين والتجار بل أثرت أيضاً على المواطنين الذين وجدوا زيادة ملحوظة في أسعار الخضروات التي سجلت قفزة كبيرة في طرطوس، إذ بلغ سعر كيلو الفاصولياء الخضراء 40 ألف ليرة، بينما ارتفع سعر ربطة البقلة إلى 7000 ليرة، وسجل البقدونس والنعناع 6000 ليرة، في حين تراوحت أسعار الخيار بين 20 و30 ألف ليرة.
ومع بداية شهر مارس وتحسن الأحوال الجوية، يتوقع المزارعون انخفاض أسعار الخضراوات خلال الأيام القليلة المقبلة، لا سيما مع نضوج محاصيل مثل الكوسا والخيار بسرعة، وقد دعا المزارعون المستهلكين إلى التريث، مشيرين إلى أن الأسواق ستشهد قريباً وفرة في المنتجات واستقراراً في الأسعار.
اقرأ أيضاً: أسعار العقارات في سوريا بعد سقوط الأسد
البيوت البلاستيكية في طرطوس
بفضل مناخه الدافئ وتربته الخصبة، يعدّ الساحل السوري المصدر الرئيسي لزراعة الخضراوات الشتوية في البلاد، حيث تنتشر آلاف البيوت البلاستيكية من طرطوس إلى اللاذقية، وفي طرطوس، تعدّ الزراعة في البيوت المحمية من أهم الأنشطة الزراعية، حيث يعمل بها آلاف الأسر وعشرات الآلاف من العمال.
هذه الزراعة هي المصدر الأساسي لرزقهم، كما تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال توفير فرص العمل وتأمين المواد الغذائية على مدار العام، فضلاً عن تصدير الفائض إلى الخارج بالقطع الأجنبي.
ويبلغ عدد البيوت البلاستيكية في محافظة طرطوس بمناطقها المختلفة حوالي 135 ألف بيت، ويصل الإنتاج السنوي لهذه البيوت إلى نحو 550 ألف طن، بما في ذلك 430 ألف طن من البندورة و32 ألف طن من الخيار، إضافة إلى الفليفلة والباذنجان وبعض المحاصيل الأخرى مثل الموز الذي بدأوا بزراعته مؤخراً.
اقرأ أيضاً: أهم المعالم السياحية في الساحل السوري
العمل في الزراعة المحمية مرهق ومكلف، وتبدأ خطوات الزراعة بحراثة الأرض المخصصة للبيت البلاستيكي، تليها إضافة السماد، ثم فلاحة الأرض مرة أخرى، وبعدها توّزع النقاط حيث يتطلب كل بيت عشرة خطوط، وبعد ذلك تأتي عملية الري والتعقيم، وتغطية الأرض لمدة 15 يوماً، وبعد انقضائها، يتم إزالة النايلون للتهوية، وتجهيز البذور والأدوية من الصيدلية الزراعية.
ويقوم المزارعون برش المبيدات بعد زراعة الشتلات، ثم يزرعون البذور في شرائح لمدة 20 يوماً، ويضعون الناموسيات على الأبواب قبل الزراعة لمنع دخول البرغش أو الذبابة البيضاء التي تؤذي المزروعات.
وليس العمل والمجهود هو المتعب فقط، بل أيضاً ارتفاع الأسعار الكبير فكل شيء يقع على عاتقهم، فهم مضطرون لشراء مستلزمات الإنتاج مثل القساطل والبلاستيك والنايلون والبذور والسماد والأدوية والمحروقات بأسعار باهظة، وغالباً ما يبيعون إنتاجهم بخسارة.
وفي هذا السياق، أشار أحد المزارعين من قرية حريصون التابعة لمنطقة بانياس إلى التحديات الكبيرة التي يواجهها في الحفاظ على البيوت البلاستيكية الخاصة به، خاصة مع ارتفاع أسعار المازوت بعد توقف الدعم الحكومي له منذ عدة أشهر، هذا الوضع أجبره على البيع بخسارة، لأن تكاليف المحروقات باتت مرتفعة للغاية، بينما تحتاج البيوت البلاستيكية إلى المحافظة على درجات حرارة مناسبة، وهذا يحتاج كميات كبيرة من الوقود، كما أن أسعار المبيدات الزراعية وصلت إلى ملايين الليرات، ما زاد من الأعباء المالية عليه.
ولفت أيضاً إلى أنه من التحديات المفروضة عليه نقص المياه، ما دفعه للاعتماد على بئر الماء في أرضه، والذي يحتاج أيضاً إلى المازوت لتشغيل المولد لسحب الماء.
وتعليقاً على موجة الصقيع الأخيرة، قال أنه بفضل سهره لأربعة أيام متتالية في البيوت البلاستيكية المزروعة بالبندورة، تمكن من حماية محصوله من تأثيرها، بينما تأثر عدد كبير من زملائه في المهنة، وأكد أيضاً أن دخول بضائع من أسواق أخرى بشكل مفاجئ ساهم في خفض الأسعار، خاصة بالنسبة لسلعة الموز.
اقرأ أيضاً: تحضيرات شهر رمضان بين فرحة القدوم وتفاوت الأسعار
فعلى الرغم من الأرباح الجيدة التي حققها مزارعو الموز البلدي في الساحل السوري العام الماضي، والتي تعد زراعة ناشئة تتركز في البيوت البلاستيكية، إلا أن هذا العام شهد خسائر كبيرة لمعظمهم، فقد انهارت أسعار الموز فجأة في الأسواق بعد التغيرات التي رافقت سقوط النظام، وانخفضت بنسبة تزيد عن 50 بالمئة، نتيجة دخول كميات ضخمة إلى المنطقة بعد فتح باب الاستيراد، وخاصة من لبنان ودول أخرى.
جدير بالذكر أن تكاليف زراعة الموز مرتفعة جداً، إذ تتطلب درجات حرارة مرتفعة، وأسمدة باهظة الثمن، ورعاية دائمة. في السابق، كان المزارعون يعتمدون على تصدير محصولهم إلى المناطق السورية الأخرى، لكن دخول البضائع المستوردة أدّى إلى انهيار الأسعار، حيث انخفض سعر الكيلو من 25 ألف ليرة إلى ما بين 10 و15 ألف ليرة، مع تراجع الإقبال على الموز المحلي بعد عودة الموز الصومالي بقوة إلى السوق.
وفي ظل هذه الخسائر الكبيرة التي يعاني منها مزارعو الساحل السوري عامةً ومزارعو طرطوس خاصةً خلال فصل الشتاء، بسبب الصقيع والعواصف والتنانين البحرية، تتعالى أصواتهم في رجاءٍ منهم أن تصل إلى صندوق الجفاف والكوارث الطبيعية في وزارة الزراعة، للإسراع في صرف التعويضات لهم. وتبرز الحاجة الملحة إلى اتخاذ خطوات جدية للحفاظ على هذا النوع من الزراعة، الذي يشكل جزءاً لا يُستهان به من الاقتصاد في المنطقة.
اقرأ أيضاً: المحافظة بدمشق تهدد بإزالة الإشغالات والباعة يعترضون «هذا رزقنا»!