عرفت سوريا العديد من أنظمة الحكم الإسلامية، والتي تركت بصماتها العميقة في عمارة البلاد عموماً وفي المساجد التاريخية تحديداً، فمنها ما بني للمرة الأولى خلال فترة الحكم الإسلامي مثل جامع خالد بن الوليد ومنها ما بني على أنقاض معابد وأوابد تاريخية كما هو الحال مع الجامع الأموي، وفي كلا الحالتين كانت المساجد التاريخية شاهداً على التطور الحضاري والثقافي الذي عرفته سوريا.
الأموي تاريخه من تاريخ دمشق
والبداية من الجامع الأموي في دمشق الذي شهد سلسلة من الأحداث القاسية التي شكلت مسيرته الاستثنائية فبين الزلازل والحرائق، برز الجامع الأموي بوصفه محراباً للعبادة على مر العصور.
إذ تشير النقوش التاريخية على الجدران الحجرية إلى أن المسجد الأموي الكبير بدمشق كان في العام 1200 قبل الميلاد معبداً آرامياً للإله حُدد وهو إله الرعد عند الآراميين، ومع دخول الرومان إلى دمشق في القرن الأول الميلادي، تحول الجامع الأموي إلى معبد للإله جوبيتر وهو ملك الآلهة وإله السماء والبرق، لاحقاً وتحديداً في القرن الرابع للميلاد أصبح الجامع الأموي كاتدرائية وحملت اسم القديس يوحنا المعمدان وهو النبي يحيى عليه السلام، وبقي البناء يضم شاهداً ينسب له.
اقرأ أيضاً: «قلعة حلب» رمز العنفوان رغم كُروب الزمان
أما عن عمارة الجامع بشكلها الحالي، والتي جعلت منه تحفة معمارية تعبر عن هيبة الدولة الإسلامية في العهد الأموي، كانت البداية في العام 705م للميلاد عندما أمر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ببناء الجامع على هيكل معبد قديم، تميز بدمج العمارة الإسلامية مع التراث المعماري السابق، فجاء مع مآذن ثلاثة أشهرها مئذنة العروس وأربعة أبواب، وقبة النسر الشهيرة التي ترتفع 45 متراً.
واستغرق بناؤه عشر سنوات، وتميز بزخارف الفسيفساء الذهبية والرخام، والتي ما تزال أجزاء منها قائمة، على الرغم من نشوب حريق ضخم في البناء عام 1893م دمر أجزاء كبيرة منه، لكن أعيد ترميمه مرات عديدة.
وتقدر المساحة الإجمالية للبناء بحوالي 15 ألف متر مربع، ويحتوي صحناً واسعاً محاطاً بأروقة، وقاعات للصلاة تعلوها القباب، وشكل الجامع الأموي الذي يعتبر واحداً من المساجد التاريخية في سوريا نموذجاً للعمارة الإسلامية المبكرة، والتي تأثر بها تصميم المساجد الأخرى في القيروان والأندلس.
وفي ذات السياق يقف الجامع الأموي اليوم شاهداً على تعاقب الحضارات، من الآرامية وحتى الإسلامية، ويظل قبلة للزوار ونموذجاً للعمارة الإسلامية التي غدت محط إعجاب العالم أجمع.
اقرأ أيضاً: الجامع الأموي: الشاهد الدمشقي الخالد على الحضارة الإسلامية
خالد بن الوليد جامع بأسلوب مملوكي
أيضاً يتربع جامع خالد بن الوليد في منطقة الخالدية شرق مدينة حمص، وهو الذي تعرّض للهدم والترميم مرات عديدة، لكنّه بُني للمرة الأولى في القرن الأول الهجري، ويُعتقد أن القبر المجاور للجامع يعود لخالد بن الوليد.
وعن الحوادث الموثقة للاعتناء ببنائه، فمرة أمر الظاهر بيبرس في العام 664 للهجرة بتجديد البناء، وتوجد في الجامع نقوش تدلل على البناء والتاريخ الذي يعود للعصر المملوكي، ومرة أخرى ارتبط التجديد بشفاء شقيقة السلطان العثماني عبد الحميد على يد أحد خبراء الطب النبوي في مدينة حمص بعد أن استعصت حالتها على أطباء الصين وألمانيا، وبعد شفاء شقيقة السلطان على يده طلب تجديد جامع خالد بن الوليد ليكون نسخة عن جامع السلطان أحمد في اسطنبول، وهو ماتم له بإشراف المهندس علاء الدين أولسوي، وهو من خريجي جامعة السوربون.
ويتكون الجامع من صحن واسع فيه من الجهة الشمالية عدد من الأروقة والأقواس المشيدة على نمط البناء الأبلق المنتشر في حمص، والذي يعتمد على تناوب الحجارة السوداء والبيضاء، في حين تستقر أربع غرف شرقي الصحن وهي مخصصة على التوالي للوضوء وغرفة متحف الآثار الإسلامية وغرفة مخصصة لطلبة العلوم الشرعية.
أما عن مآذن الجامع فعددها اثنتين وهي مضلعة ومبنية من الحجر الكلسي الأبيض، وعليها مقرنصات وفي نهاية كل منها مخروط عثماني.
ويستقر في الجزء الشمالي الغربي ضريح ينسب لخالد بن الوليد الذي سمي الجامع على اسمه، وتعرض البناء لأضرار كبيرة في العام 2013، لكنه رمم بعد عامين بتمويل من الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وأعيد افتتاحه في فبراير سنة 2019.
اقرأ أيضاً: مزارعو الرقة يفرشون الطرقات بالذرة ويبيعونها بثمن بخس
روعة العمارة في الرقة
وفي ذات السياق، من بين المساجد التاريخية في سوريا يبرز المسجد القديم في الرقة، والذي يجسد روعة العمارة الإسلامية في العصر العباسي، ويمتاز حرمه ببلاط أرضية من الخزف الملون بأنماط فيروزية وصفراء زاهية، بينما تزيّن جدرانه الداخلية ألواح القيشاني، أي الخزف الرقيق المطعم بزخارف نباتية وهندسية.
وتشير الدلائل الأثرية إلى أن قبة عالية كانت تعلو الحرم مغطاة بالخزف والقيشاني، تتوسطها نقوش كانت تزين الأقواس الإحدى عشرة التي تدعمها، مع محرابٍ فريد يحيط به عمودان رخاميان.
ويضم الموقع نظاماً هندسياً دقيقاً لتصريف المياه عبر قناطر حجرية تصل بين الحفرة الشمالية الغربية، التي يرجح أنها كانت خزاناً للمياه وواجهة المسجد.
أما السور الخارجي، فهو محاط بعشرين برجاً من الآجر، تعلوها قباب مزينة بأعناق مثمنة الشكل وزخارف نافرة تشبه طراز العمارة العباسية في بغداد.
اقرأ أيضاً: مبادرات مجتمعية في حماة لتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين