في عالم الاقتصاد السوري الذي يواجه تحديات مستمرة، تأتي التصريحات الأخيرة للمستشار لدى البنك المركزي السوري، مخلص الناظر، لتثير جدلاً واسعاً وتفتح باب النقاش حول صحة السياسات الاقتصادية المتبعة في البلاد.. فماذا قال الناظر في كلامه؟ وكيف تفاعل الاقتصاديون معه؟
صرّح مخلص الناظر في لقاء له مؤخراً مع قناة «سكاي نيوز» بأن السعر الحقيقي للدولار مقابل الليرة السورية يتراوح بين 17 إلى 20 ألف ليرة، وهي قراءة تختلف بشكل جذري عن الأرقام الرسمية التي يعلنها البنك المركزي، والتي تحدد السعر عند 13 ألف ليرة، فضلاً عن السوق السوداء التي تضعه عند حدود 10 آلاف ليرة.
ودفعت هذه التصريحات العديد من الخبراء والمواطنين إلى إعادة النظر في سياسات البنك المركزي ومواقف الحكومة تجاه الأزمة الاقتصادية التي يواجهها السوريون منذ سنوات، فالناظر، في تصريحه، أكّد أن هذا الفارق الكبير في الأسعار يشير إلى خلل واضح في تقدير القيمة الحقيقية للعملة السورية، موضحاً أنه وفقاً لما يسمى «قانون تعادل القوة الشرائية»، فإن سعر الدولار يجب أن يتراوح بين 17 و20 ألف ليرة.
ولعل هذا التصريح جاء ليُسلط الضوء على التحديات الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد السوري في ظل أزمة متفاقمة منذ نهاية عام 2022، حيث تراجعت الليرة السورية بشكل غير مسبوق أمام الدولار، مما أدى إلى خسائر فادحة لأصحاب الرواتب المدفوعة بالدولار، ومع انخفاض قيمتها الشرائية، يواجه المواطنون السوريون صعوبة كبيرة في تلبية احتياجاتهم اليومية.
اقرأ أيضاً: الدردري يتحدث بالأرقام: 36 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد السوري!
من جانب آخر، يشير العديد من السوريين إلى أن هناك واقعاً مختلفاً تماماً عند محاولة تصريف الدولار في البنك المركزي، ففي شهادات العديد من المواطنين، يتبين أن المصرف المركزي لا يقوم بصرف الدولار، بينما شركات الحوالات تتبع سعر السوق السوداء، مما يزيد من تعقيد الموقف، وهذا الوضع هو مؤشر إلى غياب الرقابة الفعالة على آليات السوق وفق المستشار، ويعزز من استغلال المواطن من قبل تجار العملة.
مؤشر تدهور اقتصادي
تعليقاً على تصريحات الناظر، أشار الخبير الاقتصادي السوري جورج خزام إلى أن السعر الذي أعلنه لا يعكس الواقع الفعلي للسوق، بل هو مؤشر على تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، فقد أشار إلى أن الاقتصاد السوري يعاني من مشاكل عميقة تشمل تراجع الإنتاج المحلي وزيادة البطالة نتيجة للغزو البضائع التركي.
وهذا الوضع يعكس مدى تدهور القوة الشرائية لليرة السورية، ويزيد من قناعة البعض بأن الاقتصاد السوري بحاجة إلى إصلاحات جذرية تحمي الصناعة الوطنية من البضاعة التركية الذي جعلت الاستيراد أرخص من الإنتاج المحلي.
جدوى السياسات النقدية
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد صالح الفتيح أن تصريحات الناظر تعد بمثابة دعوة لفتح نقاش حقيقي حول مدى جدوى السياسات النقدية التي يعتمدها البنك المركزي السوري، وأشار إلى أن المصرف المركزي لا يستمع حتى لمستشاريه في هذا الصدد، مما يؤدي إلى استمرار سياسة أسعار الصرف الوهمية التي تضر بالاقتصاد بشكل غير مباشر، عبر تعميق أزمة التضخم وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانتقد الفتيح أيضاً الإصرار على إعلان «الإنجازات الوهمية» رغم النتائج الكارثية على حركة التجارة المحلية واستنزاف مدخرات المواطنين.
اقرأ أيضاً: الدولار في سوريا يستقر والمركزي يخفض
وفي هذا السياق، يحذر العديد من الخبراء الاقتصاديين من الاستمرار في استنزاف المدخرات، خاصةً لأولئك الذين يمتلكون الدولار، وهم يوصون بتصريف المدخرات حسب الحاجة اليومية، مع تجنب الانخراط في مغامرات مالية قد تكون مكلفة بسبب تقلبات سعر الصرف، كما يحثون الحكومة السورية على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة هذا الملف الحساس قبل أن يفقد الناس ما تبقى لهم من مدخرات.