تشهد سوريا تزايدًا ملحوظًا في معدلات الجريمة، وسط ظروف معقدة تجمع بين تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما يعكس حالة من فقدان الأمن والاستقرار، حيث لاحظ المواطنون انتشارًا واسعًا لأنواع مختلفة من الجرائم، مثل السرقة والخطف والقتل، في العديد من المناطق.
ففي بعض المحافظات، يتم تسجيل ما يقارب 30 إلى 40 حالة سرقة يوميًا، بينما تشهد المناطق المركزية مثل دمشق وضواحيها ارتفاعًا مقلقًا في عدد حالات القتل، التي قد تصل إلى خمس حالات يوميًا، كما تم توثيق أكثر من 90 حالة قتل خلال شهر واحد فقط.
ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، شهدت البلاد منذ مطلع فبراير الجاري سلسلة من الجرائم التي تتسم بالغموض، حيث تم تسجيل مقتل 14 شخصًا خلال الـ10 أيام الأولى من الشهر، بينهم 4 نساء، مبيناً أن هذه الحوادث تُضاف إلى سلسلة طويلة من الجرائم المجهولة الدوافع، والتي تتنوع بين عمليات قتل فردية وجرائم ذات طابع غير واضح.
وتوزعت الجرائم على مختلف المحافظات السورية، حيث راح ضحيتها 54 شخصًا منذ بداية عام 2025، بواقع 41 رجلاً و10 نساء و3 أطفال، وشهدت محافظة إدلب 3 جرائم راح ضحيتها امرأتان ورجل، بينما سجلت دير الزور جريمة واحدة راحت ضحيتها امرأة، كما شهدت محافظات درعا واللاذقية وحمص وطرطوس والسويداء جريمة واحدة في كل منها، راح ضحيتها 5 رجال، أمّا مدينة حماة، فقد شهدت جريمة راح ضحيتها 3 أشخاص (رجلان وامرأة)، فيما عرفت حلب جريمتين راح ضحيتهما رجلان.
اقرأ أيضاً: المحافظة بدمشق تهدد بإزالة الإشغالات والباعة يعترضون «هذا رزقنا»!
الدوافع والأسباب!
يعود ارتفاع معدلات الجريمة في سوريا إلى مجموعة من العوامل المتداخلة التي يصعب ردها إلى سبب واحد فقط، فقد أدت التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد إلى تغيير جذري في ملامح النظام الأمني، مما أدى إلى ظهور فجوات أمنية استغلتها جماعات مجهولة الهوية في تنفيذ جرائم مختلفة.
ووفقًا لتقرير صادر عن (سبوتنيك)، ساهمت بعض القرارات المتعلقة بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والإفراج عن عدد من المساجين المحكومين بجرائم خطيرة في تفاقم الوضع الأمني، ومع ذلك، لم تكن هذه الإجراءات العامل الوحيد وراء الارتفاع الملحوظ في معدلات الجريمة.
فقد لعبت الظروف الاقتصادية المتردية دورًا كبيرًا أيضًا، حيث كان أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر في عام 2024، وفقًا لتقارير “هيومن رايتس ووتش”، مما يدفع الكثيرين للجوء إلى السرقة والعنف كوسيلة للبقاء.
ففي المدن الكبرى مثل دمشق وحلب، تركزت حالات الخطف مقابل الفدية المالية، حيث يستهدف الخاطفون التجار وأصحاب المصانع والمعامل بمطالب مالية ضخمة مقابل الإفراج عن المخطوفين.
وتشير التقارير إلى تسجيل نحو 300 حالة خطف خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تنتهي معظمها بدفع الفدية دون تحقيق العدالة أو محاسبة المجرمين.
مرتبة متقدمة عالمياً
تحتل سوريا المركز الثامن عالميًا في معدلات الجريمة، والمرتبة الثانية في قارة آسيا بعد أفغانستان، وفقًا لتقرير أورده موقع “نمبيو” المتخصص في مراقبة مؤشرات الجرائم وجودة العيش في العالم.
وتختلف الأسباب بين ما قبل الحرب وبعدها، حيث تشير البيانات إلى أن الأزمات المستمرة قد زادت من تعقيد المشهد الأمني والاجتماعي في البلاد.
صعوبات متزايدة
تتداخل عوامل اقتصادية واجتماعية مع التحديات الأمنية، حيث يواجه المواطن السوري صعوبات متزايدة في تأمين احتياجاته الأساسية نتيجة تدهور الخدمات العامة وارتفاع الأسعار.
وفي ظل عدم وجود ما يكفي من دعم حالياً من الجهات المختصة، يصبح من الصعب تطبيق نظم قانونية فعّالة تضمن الردع والمحاسبة.
ولا يمكن ربط ارتفاع معدلات الجريمة في سوريا بالتغيرات الأمنية فقط، بل إن تفكك النسيج الاجتماعي نتيجة التوترات السياسية والاقتصادية يلعب دورًا كبيرًا في تفاقم هذه الظاهرة، وقد أثرت هذه التحديات بشكل مباشر على ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وقدرتها على ضمان الاستقرار والأمان.
اقرأ أيضاً: حصاد عام مختلف: كيف تستقبل سوريا العام 2025 بعد إسقاط الأسد؟
قانون ولكن!
على الصعيد القضائي، تبرز الحاجة إلى تفعيل عمل المحاكم والآليات القانونية لملاحقة المجرمين بشكل فعال، مما يسهم في توفير رادع حقيقي لمن يعتقد أن الإفلات من العقاب خيار ممكن.
ويعد تحسين أداء الجهاز القضائي خطوة أساسية لتخفيف الضغوط الأمنية وزيادة ثقة المواطنين في النظام القانوني، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهد تداخلًا بين عوامل متعددة تؤثر على معدلات الجريمة في سوريا.
اقرأ أيضاً: مركز الملك سلمان للإغاثة يقدم مساعدات خلال شهر رمضان
حلول غائبة!
يؤكد الخبراء أن معالجة معدلات الجريمة في سوريا تتطلب تبني نهج شامل يشمل إصلاحات أمنية وقضائية واقتصادية متكاملة.
فإصلاح الأجهزة الأمنية، وتحديث أساليب المراقبة، وتحسين آليات تطبيق القانون تعد خطوات أساسية لاستعادة الثقة والأمان في المجتمع.
كما يلعب تعزيز التعاون بين السلطات المحلية والمجتمع المدني دورًا محوريًا في مراقبة الجرائم وتقديم الدعم اللازم للضحايا، مما يساهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال مطروحًا: ما الخطوة التالية التي يمكن أن تعيد الثقة والأمان لكل مواطن؟ مع الأمل بأن تتمكن السلطات المختصة من سدّ الفجوات الأمنية، وتفكيك الأساس الاقتصادي الاجتماعي للعنف المتزايد.