في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد، عاد الحديث مجدداً عن إمكانية طباعة عملة جديدة أو حذف الأصفار كحلول محتملة للتخفيف من حدة الأزمة. لكن هل تُعد هذه الإجراءات حلاً فعّالاً؟ وما هي آراء الخبراء والاقتصاديين السوريين حول هذا الموضوع؟
ليست حلاً سحريّاً!
يرى العديد من الخبراء أن طباعة عملة جديدة أو حذف الأصفار ليست حلولاً سحرية للأزمة الاقتصادية. فقد حذّر الخبير الاقتصادي السوري عاطف طيفور من الانشغال بمواضيع فرعية مثل طباعة عملة جديدة أو حذف الأصفار، معتبراً أنها لا تعالج جوهر المشكلة الاقتصادية، بل قد تؤدي إلى تفاقم التضخم وزيادة الأعباء على الاقتصاد الوطني.
ومن جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي شادي أحمد أن طباعة وإصدار أوراق نقدية جديدة هو إجراء مستمر في الاقتصاديات العالمية، لكنه يتطلب معايير محددة، مثل مؤشرات حركة الاقتصاد والتضخم وتغطية هذا الإصدار وأهدافه. وأشار إلى أن غياب هذه المعايير في الحالة السورية قد يؤدي إلى زيادة التضخم النقدي بشكل متسارع.
التحديات التقنية واللوجستية
إلى جانب ذلك، فإن طباعة عملة جديدة ليست مجرد قرار اقتصادي، بل تتطلب استعدادات تقنية ولوجستية معقدة. حيث أشار الدكتور أسامة رعدون، رئيس جامعة حلب، إلى أن العملة السورية الحالية ليست بمواصفات جيدة ولا تتمتع بمعايير أمان، لكن هذا لا يعني التسرع في طباعة عملة جديدة. وأكد على ضرورة دراسة واقعية وصوابية في القرار، خاصة في ظل التحديات الحالية.
كما أشار المحلل الاقتصادي فاخر قربي إلى أن عملية إصدار عملة جديدة مكلفة تصل إلى مئات ملايين الدولارات، وتحتاج إلى مراحل متعددة، منها التصميم، اختيار رموز معينة، نوعية المواد المستخدمة، ومصادقة وزارة المالية أو الحكومة وصولاً للطباعة، مؤكداً أن هذه الخطوة تتطلب استقراراً سياسياً واقتصادياً، بالإضافة إلى إصدار تشريعات قانونية تُلزم التعامل بالعملة الجديدة وتنظم آليات الاستبدال.
البدائل المقترحة
بدلاً من التركيز على طباعة عملة جديدة، يقترح الخبراء التركيز على إصلاحات اقتصادية حقيقية. ومثل ذلك ما راح إليه الدكتور علي محمد، وهو خبير مصرفي ومالي، إذ أشار إلى أن طباعة عملة جديدة قد تؤدي إلى زيادة المعروض النقدي بما يفوق كتلة المعروض السلعي، مما يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم. وأكد على ضرورة سحب النقد الموجود وطباعة عملة نقدية نظيرة لها بالقيمة والكتلة وإعادة ضخها في السوق لتجنب التأثير السلبي على معدلات التضخم.
اقرا أيضاً: بعد انقطاع 16 عاماً.. صندوق النقد الدولي يستعد لدعم إعادة إعمار سوريا
كذلك، شدد عاطف طيفور على أهمية التركيز على معدلات التضخم ونسب البطالة، ودعم تكاليف الإنتاج وتكاليف وحدة الإنتاج، وضبط الميزان التجاري بين الصادرات والمستوردات كمنطلقات وحلول لجميع خطوات ترميم الاقتصاد الوطني بشكل متين.
ختاماً، ووفق المعطيات السابقة، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد الآن، يبدو أن طباعة عملة جديدة أو حذف الأصفار ليست الحلول المثلى المنقذة لسوريا وللشعب السوري. بل يتطلب الأمر إصلاحات اقتصادية حقيقية تركز على دعم الإنتاج، مكافحة التضخم، وتحسين البيئة الاستثمارية.