الأسد يسابق الزمن لإخضاع درعا “المتمردة” قبل انتخابات الرئاسة

السبت 30 كانون الثاني/يناير 2021

تشهد محافظات في الجنوب السوري حالة من الغليان، وسط قلق النظام من إمكانية حدوث انفجار شعبي يهدد قبضته المتآكلة، خصوصا أنه مقبل على استحقاق انتخابي مصيري لجهة تجديد “شرعية” الرئيس بشار الأسد، لسبع سنوات مقبلة.

وتقول أوساط سياسية إن قلقا متناميا في القصر الجمهوري حيال ما يحدث خصوصا في محافظة درعا التي تشهد خلال الأشهر الماضية تناميا لعدد الهجمات على القوات الحكومية، في ظل نجاح خلايا نائمة في تجميع صفوفها مجددا ضمن تشكيلات مسلحة انضم إليها العديد من الشباب الحانق على الأوضاع الاجتماعية والتجاوزات الأمنية.

وتشير هذه الأوساط إلى أن النظام يضع حاليا في صدارة أولوياته إعادة ضبط الوضع الأمني في درعا لأنه يدرك أن استمرار الوضع الراهن قد يقود إلى تمرد أوسع ستنتقل عدواه إلى باقي المحافظات الواقعة تحت سيطرته.

حسان الأسود: محاولات النظام لإخضاع درعا، صعبة المنال
حسان الأسود: محاولات النظام لإخضاع درعا، صعبة المنال

ويبدو النظام في صراع مع الوقت من أجل إخضاع كامل المحافظة، لاسيما وأن الانتخابات الرئاسية لم تعد تفصل عنها سوى أشهر قليلة، ومن هنا يتأتى إصراره على ترحيل العناصر المسلحة، ملوحا بشن عملية عسكرية، واقتحام مدينة طفس.

وتجري مفاوضات ماراثونية بين وجهاء من محافظة درعا ووفود عسكرية وأمنية لتنفيذ خطة الترحيل، وكشفت مصادر مطلعة أن النظام عمد إلى توسيع قائمة المستهدفين بالترحيل إلى شمال البلاد من 8 أشخاص إلى 46 آخرين، ممهلا الوجهاء إلى السبت لتنفيذ هذا الأمر أو فإنه سيشن الهجوم على طفس حيث تتمركز معظم العناصر المطلوبة.

وقال المحامي حسان الأسود أمين عام المجلس السوري للتغيير، وعضو لجنة متابعة حملة “لا شرعية للأسد وانتخاباته”، إن “ما يحصل حاليا هو أن النظام يستشعر حاجة قصوى إلى ضبط الوضع في المنطقة قبيل الانتخابات الرئاسية التي يحضّر من خلالها للتجديد لبشار الأسد، وهو يخشى من انفلات الأوضاع، ويحاول أن يرهب الناس ليجبرهم على الانصياع التام كما كانوا قبل ثورة عام 2011”.

ويوضح حسان الأسود وهو ابن درعا أن النظام نكث على مدى السنوات الماضية بجميع التزاماته التي نص عليها اتفاق التسوية الذي جرى التوصل إليه في العام 2018 برعاية روسيا والولايات المتحدة، حيث لم يفرج إلا عن أعداد ضئيلة جداً من المعتقلين، ولم يخفف القيود الأمنية المفروضة على الناس، بل بالعكس ضاعفها، ولم يقم برفع المطالب الأمنية من سجلات وقيود فروعه عن النشطاء ولا عن المعارضين، ولم يقم بإعادة الموظفين إلى وظائفهم، ولم يسمح للنقابيين باستئناف نشاطهم، إلا في ما ندر، وبشكل عام لم يقم بأية إجراءات تخفف من حالة التوتر بين الناس وأجهزة الدولة المستولى عليها منه بالكامل.

إضافة إلى ذلك فقد أطلق يد ميليشياته ومخابراته في عمليات الاغتيال ونشر المخدرات، ومنع عن هذه المنطقة موجبات الحياة الطبيعية من زراعة وتجارة وصناعة، كما منع عودة الخدمات إليها أيضاً، وهو اليوم يحاول انتهاك ما تبقى من الاتفاق، وبدعم من روسيا، من خلال التلويح باقتحام طفس.

ومن بين ما نص عليه اتفاق التسوية لعام 2018 عدم انتشار الجيش السوري داخل مدينة درعا القديمة (البلد) وداخل مدينة طفس الواقعة غرب المحافظة، وداخل مدينة بصرى الشام الواقعة شرقها، إضافة إلى عدد آخر من المدن الصغيرة التابعة والقرى لها. حيث تشكلت لجان مركزية في كل من المدن الثلاث لإدارة العلاقة مع القوات الحكومية.

وأكد حسان الأسود أن “محاولات النظام إخضاع المنطقة، تبقى صعبة المنال في ظل بيئة شعبية رافضة له ولحلفائه الإيرانيين والميليشيات الطائفية المساندة له وعلى رأسها حزب الله اللبناني، كما أن هناك رفضا للوجود الروسي الذي أثبت انحيازه الكامل لجهة النظام”. فضلا عن نقص الكادر البشري لديه، ونقص الأموال والقدرات بسبب استنزافه الاقتصاد وخزينة الدولة بحربه على الشعب، وبسبب الحصار المفروض عليه أيضاً.

ورجح بأن تتمدد حالات العنف والتمرد على النظام، سواء في مدن وقرى حوران أو السويداء. ولن تستقر له الأوضاع لأنه غير مقبول أبداً هناك، ولا يمكن له الاستمرار إلى ما لا نهاية له عن طريق الحكم بواسطة المدافع والطائرات.

وتصاعدت في اليومين الماضيين أعمال العنف في المنطقة، حيث كثفت الفصائل المحلية من هجماتها على حواجز ونقاط تمركز القوات الأمنية والعسكرية للنظام، تركزت في ريفي درعا الشرقي والغربي، إضافة إلى استهداف مجهولين للمربع الأمني في مدينة نوى.

ما يجري في الجنوب السوري يُثير تساؤلات حول مدى قدرة النظام على إجراء انتخابات في مناطق سيطرته في ظل الأجواء الملتهبة حاليا

وامتدت الهجمات إلى ريف دمشق حيث تم استهداف حاجزين في أطراف بلدة كناكر وفي قرية المير التابعة لناحية بيت جن، إلى جانب استهداف سرية عسكرية في بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة الشمالي، ومبنى الأمن الجنائي في مدينة الصنمين.

وتأتي هذه الهجمات بالتزامن مع حالة احتقان شعبي في محافظة السويداء المجاورة التي شهدت على مدى الأشهر الماضية احتجاجات متكررة، بسبب تدهور الوضع الاجتماعي والانتهاكات المستمرة للقوى الأمنية.

ويعود سبب الاحتقان الأخير إلى إقدام رئيس فرع الأمن العسكري، على إهانة شيخ طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري أثناء سؤاله عن أحد المعتقلين لديه، وكان النظام أرسل وفدا في محاولة لاحتواء حالة الغضب السائدة، بيد أن هذه الخطوة قوبلت بتحفظ من مشايخ السويداء وقادة الفصائل والوجهاء حيث اعتبروا أن تلك الزيارة غير كافية، وطالبوا باعتذار رسمي من أعلى هرم في النظام، واتخاذ إجراءات عقابية بحق رئيس فرع الأمن العسكري ونقله من المنطقة.

ويثير ما يجري في الجنوب السوري تساؤلات حول مدى قدرة النظام على إجراء انتخابات في مناطق سيطرته في ظل الأجواء الملتهبة حاليا، مع الأخذ بالاعتبار وجود أكثر من 7 ملايين مهاجرا في الخارج ومثل عددهم من النازحين في الداخل إلى جانب وجود محافظات بأكملها خارجة عن سلطته.

المصدر: العرب