الأربعاء 24 شباط/فبراير 2021
في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، تناقلت المواقع الإعلامية الروسية، وكذلك الإسرائيلية الناطقة بالروسية، نبأ مباشرة العسكريين الروس في سوريا عملية البحث عن رفات الجنديين الإسرائيليين تسفي فيلدمان ويهودا كاتس، اللذين اعتُبرا مفقودين في معركة السلطان يعقوب العام 1982. ويقوم العسكريون الروس بعملية البحث الحالية، كما في السابق، في منطقة مقبرة مخيم اليرموك، التي أعلنوها منطقة عسكرية مقفلة، لا يستطيع السوريون دخولها لزيارة أمواتهم، طالما تجري عملية بحث عن رفات إسرائيلي. وتأتي عملية البحث الحالية، إستكمالاً لعمليات البحث الروسية السابقة، التي أسفرت العام 2019 عن العثور على رفات العسكري الإسرائيلي الثالث زاخاريا بومل، الذي أعتبر مفقوداً مع زميليه المذكورين، اللذين كانا يشكلان طاقم دبابة إسرائيلية دُمّرت في تلك المعركة. وقالت صحيفة الكرملين “vz” حينها، أن الإتصالات بين روسيا وإسرائيل حول تقديم العون في البحث عن رفات الجنود الإسرائيليين في سوريا بدأت في العام 2016، ووصفت قبول موسكو القيام بمثل هذه العمليات، بأنها “تتناسب كثيراً مع سياق العلاقات الروسية الإسرائيلية”.
وذهبت صحيفة الكرملين حينها، إلى حد تسمية شهر أيار/مايو من ذلك العام موعداً لتسليم إسرائيل جثة الجاسوس إيلي كوهين، الذي أعدم في دمشق العام 1965. وكانت قد جرت يومها موجة شائعات واسعة تناولت إعادة رفات كوهين إلى إسرائيل، ذكرت في سياقها الصحيفة الروسية “news.ru” في طبعتها الإسرائيلية، أن أرملة الجاسوس ناديا كوهين كانت قد توجهت خريف العام 2018 برسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد قالت فيها، بأن والدة كوهين توفيت من دون أن ترى ضريح إبنها، وطلبت منه “أن يدعه يستريح في تراب وطنه”. ونُقل عن الأرملة يومها تعليقها على إستعادة رفات زاخاريا بومل، بأنها شعرت “بإهانة لا توصف” حين سمعت النبأ، وبأن “موقف الدولة من أسر المفقودين، موقف معيب”.
الحكومة السورية نفت حينها أي علم لها بعملية تسليم رفات زاخاريا بومل إلى إسرائيل، وقال وزير الإعلام السوري آنذاك عماد سارة: “على الجميع، أن يعلموا، بأن “ليس لدى سوريا أية فكرة لا عن قصة رفات الجندي الإسرائيلي، ولا عـن تفاصيـل العثور عليهـا، ولا حتـى عـن تسليمها”، كما نقلت “INTERFAX”، وافترض يومها، أن كل العملية جرت بين إسرائيل والفصائل الإرهابية المسلحة. لكن الرئيس الروسي بوتين، وفي حديثه في موسكو مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن تسليم رفات زاخاريا بومل، قال، بأن العملية لم تكن سهلة، وأن “جنودنا مع الشركاء السوريين حددوا موقع دفنه”، وأن الروس سعداء جداً، لأن إسرائيل ستتمكن من تأدية التحية العسكرية له، وسيتمكن ذووه من وضع الزهور على ضريحه.
نفي وزير الإعلام السوري علم سوريا آنذاك بعملية تسليم رفات زاخاريا بومل إلى إسرائيل، على الرغم من تأكيد الرئيس الروسي بأن عملية البحث قام بها العسكريون الروس والسوريون، يشبه تماماً الإمتعاض السوري الحالي من الكشف عن تلقي سوريا كمية من اللقاح الروسي، مقابل الإفراج عن الفتاة الإسرائيلية. وقالت قناة التلفزة الإسرئيلية التاسعة، أن السوريين إعتبروها مهينة الأنباء عن بند سرّي في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل , ونقلت عن وكالة سانا السورية نفيها وجود بند سري في صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل. ووصفت سانا الأنباء عن وجود البند السري، بأنها بروباغندا صهيونية ترمي إلى “تشويه سمعة جهود القيادة السورية، من أجل تحرير المواطنين السوريين محمد حسين وطارق العبيدان مع الناشطة نهال المقت، من سجون الإحتلال الإسرائيلي، حسب القناة الإسرائيلية.
وتقول القناة 9، بأن نفي الوكالة السورية الرسمية، لا يعني مطلقاً، عدم وجود “بند سري”، إذ من المحتمل جداً، أن “الإتفاقية السرية” تم التوصل إليها خلال المفاوضات المباشرة بين روسيا وإسرائيل، حول شروط وساطة الكرملين في مسألة عودة المواطنة الإسرائيلية. ويفترض “البند السري”، حسب القناة، تمويل إسرائيل شراء “عدة ملايين” من جرعات اللقاح الروسي بقيمة 1,2 مليون دولار لصالح السوريين.
صحيفة “NG” الروسية، وفي نص لهيئة التحرير بعنوان “روسيا أصبحت وسيطاً في صفقة سوريا وإسرائيل لتبادل السجناء”، قالت، بأن الطريق لا يزال طويلاً لإذابة الجليد بين الجيران. ورأت، أن تبادل الأسرى بين البلدين تعقدت بسبب السجناء أنفسهم، إذ رفض السوريون المعتقلون في إسرائيل إعادتهم إلى دمشق. وظهرت الأنباء عن التعقيدات في عملية التبادل مباشرة تقريباً، بعد المفاوضات المفاجئة في موسكو، التي أجراها رئيس مجلس الأمن الإسرائيلي مائير بن شابات و منسق الحكومة الإسرائيلية لتحرير الرهائن يارون بلوم.
ولاحظت الصحيفة، أن وتيرة الاتصالات تصاعدت إلى مستوى غير اعتيادي بين المسؤولين الروس والإسرائيليين على خلفية إتفاقية تبادل الأسرى، بدءاَ من بوتين ونتنياهو، مروراً بالخارجية والدفاع، وانتهاءاً باللقاء بين السفير الإسرائيلي في موسكو وميخائيل بوغدانوف. وترافقت هذه الإتصالات المكثفة مع موجة الإشاعات، التي تدور في الأشهر الأخيرة، عن إحتمال تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية، كما حصل مع عدد من البلدان العربية، بما فيها تلك، التي على علاقة ليست سيئة مع دمشق. لكن التفاصيل، التي ظهرت لاحقاً بشأن عملية التبادل، تشير إلى أن هذا النشاط الدبلوماسي المحموم، تقف خلفه مسائل إنسانية فقط، ومستقبل الصلح بين الجارين، لا يزال بعيداً، كما في السابق.
لم يكن النظام السوري وحده من امتعض مما اعتبر “بنداً سرياً” في اتفاقية التبادل، واعتبر الحديث عنه أمراً مهيناً له، إذ لم يكن نتنياهو أقل توجساً أيضاً من افتضاح أمر هذا البند. فقد عمد نتنياهو إلى إبقاء نبأ عبور الإسرائيلية الحدود مع سوريا في 2 من الشهر الحالي طي الكتمان، ولم يتداوله سوى مع وزير الخارجية غابي أشكينازي ووزير الدفاع بني غانتس، واستبعد المسؤولين الآخرين، مما أخر مبادلة الإسرائيلية مع السوريين، برأي موقع “Detaly” الإسرائيلي الناطق بالروسية، والذي نسب هذا الكلام إلى صحيفة هآرتس وموقع “Walla”. ويقول الموقع، أن ثمن الوساطة الروسية في الصفقة، قد يكون تعزيز موقعها في المفاوضات مع إسرائيل بشأن الهجمات الجوية على سوريا، والتي تعتبر روسيا بأنها تعرقل مد سيطرة الأسد إلى شمال شرق سوريا.
من ناحية أخرى، شن موقع “Vesty” الإسرائيلي الناطق بالروسية هجوماً لاذعاً على نتنياهو على خلفية تخصيص كل هذه الجهود والأموال، على قلتها، لإنقاذ فتاة “عاشقة” هائمة، تفر مرة لعند السوريين، وأخرى لعند الفلسطينين في غزة، وتعتبرهم إخوتها، وليسوا ابناء عمومتها.
صفقة تبادل الأسرى بين سوريا وإسرائيل والبحث عن رفات الجنود الإسرائيليين، رأى فيها بوتين فرصة لتعزيز نفوذه الإسرائيلي وموقعه الشرق أوسطي، وأراد نتنياهو احتكار “أمجادها” لنفسه على أبواب تقرير مصيره السياسي والجنائي. أما في سوريا، فقد حصد النظام منها “مجد” توفير كمية من اللقاح على حساب الدولة العبرية، وتحولت مدافن السوريين إلى مناطق عسكرية، تُنبش فيها قبور موتاهم، ويحظر على ذويهم وضع الزهور عليها، كما أمل بوتين أن يفعل ذوو الجندي الإسرائيلي، الذي أعاد رفاته.
المصدر: المدن
- بسام مقداد كاتب سوري