السبت 20 آذار/مارس 2021
سوريا اليوم – دمشق
كشفت دراسة جديدة حجم معاناة قطاع الصناعة التحويلية في ظل الحرب السورية المستمرة منذ 10 سنوات، ووضعت تصوراً لكيفية الخروج من الأزمة.
وقال معد الدراسة الباحث الاقتصادي د. شامل البدران في حديث لمراسلة صحيفة “الثورة” الرسمية السورية رولا عيسى “إن مساهمة الصناعة التحويلية للقطاع الخاص في سورية عام 2010 من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 10.6% وذلك نتيجة التوسع في سياسات التصنيع وفعالية المناطق الصناعية إضافة لوجود أسواق خارجية استطاعت المنتجات السورية المنافسة بها، وبلغت القيمة المضافة الصافية 126.7 مليار ليرة”، مشيراً إلى أن “هذا القطاع استقطب ما يقارب 385 ألف عامل في إطار القطاع المنظم، وتوزعت النسب العالية للإنتاج حسب أبواب النشاط الصناعي “الغذائية 19%، المعادن المشكلة 11.58%، المنسوجات 10.7%، الأثاث 9.25% والملابس 9%، الكيميائية 5.75 %”.
وأضاف بدران أنه كان لدعم حوامل الطاقة من قبل الدولة واعتماد سياسات التدريب والتأهيل للقوى العاملة ورخص أجور اليد العاملة حينها أثر جيد في تحقيق المنافسة والقدرة على اختراق مجموعة كبيرة من الأسواق لا سيما دول الجوار ودول الخليج، فقد بلغت قيمة الصادرات السورية من الصناعات التحويلية 4.25 مليارات دولار في عام 2010. وبالرغم من تلك المؤشرات الجيدة رغم أن القطاع في وقتها عانى بعض المشاكل والمعوقات، تراجع الإنتاج مع بدء خروج المنشآت من العمل في 2011.
وأوضح الباحث أنه درس تأثيرات الأزمة وتداعياتها منذ 2011، مقسّماً هذه المرحلة إلى أربعة أقسام. ففي المرحلة الأولى مع بداية الأزمة تغيرت تدريجياً هيكلية القطاع حيث تراجع الإنتاج في دمشق وريفها وخرج عدد كبير من المنشآت عن الخدمة، بينما حافظت حلب على وتيرة الإنتاج وفي مراحل أخرى زادت من وتيرته. وفي حمص تحسن الإنتاج في بعض المناطق أما باقي المناطق فلم يطرأ عليها تغيرات ملحوظة.
ويقول بدران إنه في النصف الثاني من عام 2012 أتت المرحلة الثانية و”بدأت فصول جديدة وبشكل مدبر لتدمير البنية التحتية في سورية وتدمير الصناعة التحويلية في القطاع الخاص، وبدأت الأزمة الحقيقية للصناعة في مدينة حلب حيث تم تدمير معظم المنشآت الصناعية، وتم الاستيلاء على قسم آخر إضافة للنهب والسرقة التي تعرضت لها المنشآت، كل تلك الممارسات تمت من قبل النظام التركي الأمر الذي دفع الصناعيين مع منشآتهم إلى الانتقال خارج حلب، وتركزت المنشآت الصناعية المستحدثة في اللاذقية وتقلص حجم الصادرات من الإنتاج الصناعي نتيجة إغلاق معظم المعابر الحدودية وبدأت تتوضح في تلك الفترة معالم اقتصاديات الحروب وظهور أنشطة غير شرعية، وانخفض حجم الصادرات السورية إلى النصف من الصناعات التحويلية”، حسب تعبيره.
وأشار إلى أنه مع بداية استعادة الحكومة السورية السيطرة على معظم المناطق الجغرافية في البلاد بدأت مرحلة ثالثة، واستراتيجية جديدة ومباشرة بإعادة تشغيل المنشآت الاقتصادية لا سيما المنشآت الصناعية في دمشق وريفها الآمن نسبياً وفي حمص وحلب.
ويوضح الباحث أنه بين 2016 و2018 بدأت تتضح أكثر فأكثر التغيرات الهيكلية في بنية الصناعة التحويلية في القطاع الخاص، وذلك نتيجة الاستقرار الأمني وسيطرة الحكومة بشكل كامل على المناطق التي تتركز بها المنشآت الاقتصادية الصناعية في دمشق وريفها وحلب وحمص، إضافة لبروز اللاذقية كمنطقة لها أهمية من حيث التصنيع مع الإشارة إلى عدم تحسن حجم الصادرات النظامية بشكل كبير نتيجة عوامل متعددة.
أما المرحلة الرابعة بحسب بدران فتعتبر الأهم بسبب تحول الاقتصاد السوري بشكل كامل إلى اقتصاد حرب، ووفق المعايير يعد “اقتصاد الحرب” اقتصاداً غير إنتاجي في جوهره حيث تكمن الأولوية في تأمين المواد الأساسية كالوقود والغذاء.
وقد أقرت خطة استراتيجية بعنوان “سورية ما بعد الحرب” من قبل الحكومة السورية شملت كافة الجوانب الاقتصادية في عام 2020 إضافة لإقرار مشروع سياسة إحلال الواردات والذي بدأ بتحديد ما يقارب 40 سلعة.
وتقول الصحيفة الرسمية إنه بالتزامن مع ذلك عملت الولايات المتحدة الأميركية، وفي إطار عمل تاريخي وجهد مستمر للضغط على سورية وإجهادها اقتصادياً، فجاء قانون قيصر كأعلى درجات المعاداة للاقتصاد السوري، حسب تعبيرها.
ونقلت الصحيفة عن بدران أن المحور الثاني في دراسته يتناول اقتصاد الظل وتأثيره السلبي على الصناعة التحويلية في القطاع الخاص، حيث اعتبر أن أكبر الصعوبات والتحديات التي تواجه قياس الاقتصاد غير الرسمي هي كيف يمكن أن نجعل من شيء يتم في الخفاء شيئاً قابلاً للقياس كماً وبالنتيجة انخفاض درجة ومصداقية البيانات والإحصاءات الرسمية وبالتالي التأثير في وضع السياسات الاقتصادية.
وقد وضع بدران على ضوء دراسة تحليلية لنتائج مراحل الحرب الأربع بغية تجاوز المعوقات، المقترحات التالية:
- إعادة إعداد استراتيجية وطنية متكاملة لهذا القطاع على أسس حديثة ووفق التطورات الصناعية العالمية التي تعتمد تكنولوجيا الإنتاج الرقمي المتقدم.
- وضع خطة جزئية ضمن الخطة الاستراتيجية العامة للصناعة تتضمن الانتقال إلى التصنيع الزراعي المعتمد على التقنيات الحديثة وإبراز دور الصناعات الغذائية بشكل جوهري واعتماد سياسة دعم المنتج المحلي وتوفير كافة الوسائل لتحقيق التنافسية للصناعة التحويلية السورية في القطاع الخاص، عوضاً عن سياسة إحلال الواردات ودعم المصدرين.
- إعداد مشروع وطني لتأهيل رأس المال البشري بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
- إعادة رسم خارطة الاستثمار الصناعي لكافة المناطق، وفق أسس متطورة تتوافق مع ما بينته الدراسة من استمرار بنية الاقتصاد السوري في الاعتماد على المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة وطبيعة الملكية الخاصة الفردية والتي تتطلب سياسات وإجراءات حقيقية لدعمها وانتقالها إلى بنية أكثر تطوراً.
- مشاركة أوسع من الصناعيين وخاصة صغار المنتجين في القرارات الحكومية.
- بناء آليات متطورة لحماية المدن الصناعية وتقديم دعم تكنولوجي وابتكار طرق حديثة لنقل المواد الأساسية إليها وتوفير مستلزمات الإنتاج، إضافة لتأمين نقل منتجاتها النهائية للأسواق المحلية والدولية.
- الاستمرار في سياسات الدولة السورية بالتضييق على تنامي اقتصاد الظل السلبي في ظل الحرب المعلنة على سورية. وإعادة رسم صيغ استخدام اقتصاد الظل الإيجابي في سورية في ضوء العقوبات الاقتصادية.
- كما باتت الحاجة ملحة لوضع استراتيجيات لإدارة الاقتصاد غير الرسمي في ظل التحديات الاقتصادية.
- ولتخفيف معدلات التضخم العالية يتوجب اعتماد استراتيجية استهداف التضخم والتي تعد واحدة من أهم التطورات البارزة على صعيد السياسة النقدية، وتقليص معدلات التضخم من خلال تبني تحقيق معدلات مستهدفة للتضخم، وتعتبر كإجراء معاكس لتداعيات قانون قيصر وتأثيره السلبي على البنك المركزي السوري وذلك بسبب منع التعامل معه، ما يمهد لزيادة الضغوط التضخمية على الاقتصاد السوري.
- بناء منظومة معلومات اقتصادية متكاملة بهدف توفير مؤشرات اقتصادية مبنية على قواعد بيانات بشكل محدث، تحاكي الواقع الاقتصادي في سورية وبشكل دوري لتساعد على اتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة.
- إنشاء صناعات تحويلية متخصصة بإعادة التدوير للاستفادة من مخلفات الدمار والحرب التي لحقت بسورية.