الثلاثاء 27 نيسان/أبريل 2021
سوريا اليوم – متابعات
نفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تسجيل صوتي مسرّب، لم يكن معداً للنشر الإعلامي، رواية إيرانية تقول إن قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني هو الذي أقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالتدخل عسكرياً في سورية خلال زيارة له إلى موسكو ولقائه مع بوتن (عام 2015)، قائلاً إن الرئيس الروسي كان قد اتخذ قراره وأرسل السلاح الجوي إلى سوريا قبل الزيارة.
وتتفاعل منذ يومين، إيرانياً وعربياً ودولياً، تسريبات مقابلة سرية للوزير الإيراني فجرت الكثير من المفاجآت، وخاصة ما يتعلق بدور قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي قُتل بصاروخ أمريكي فجر 3 كانون الثاني/يناير 2020.
وفي إيران أحدث “التسجيل المسرّب” للمقابلة السرية الداخلية مع وزير الخارجية الإيراني، آثاراً واسعة، بين الغضب والاستياء والدهشة من حصول التسريب الموجود ضمن وثائق الدولة السرية.
واكتسبت التسريبات أهمية بسبب التوقيت الذي يتزامن مع المباحثات النووية الجارية في فيينا واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية خلال حزيران/يونيو المقبل.
وقالت صحيفة “العربي الجديد” التي نشرت ترجمة لأبرز تصريحات ظريف اليوم الثلاثاء إن شظايا التسريب وصلت إلى البيت الأبيض أيضاً، حيث تعرض وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري لانتقادات شديدة لورود اسمه في التسجيل والحديث عن أنه قدم معلومات عن هجمات إسرائيلية في سوريا لظريف.
ونشرت قناة “إيران اينترنشتال”، المتهمة من قبل طهران بأنها ممولة من قبل السعودية، ومقرها لندن، هذا التسجيل الصوتي، يوم الأحد، وسرعان ما وصل إلى العالم الافتراضي وتداولته مختلف المنصات الإعلامية.
والتسجيل المسرب، مدته أكثر من 3 ساعات، وهو جزء من مقابلة مصورة مع ظريف، لسبع ساعات، أجراها معه الاقتصادي الإيراني، سعيد ليلاز، في شباط/فبراير 2021 في إطار مشروع لـ”مركز الدراسات الاستراتيجية”، التابع للرئاسة الإيرانية لتسجيل التاريخ الشفاهي للحكومتين الإيرانيتين الأخيرتين برئاسة حسن روحاني الذي ستنتهي ولايته بعد نحو ثلاثة أشهر.
وتشدد الخارجية الإيرانية على أنه لم يكن مقرراً نشر المقابلة وهي كانت “سرية” لأرشيف الدولة، فيما لم يتضح بعد من قام بتسريبها وسط اتهامات متبادلة بين القوى السياسية الإيرانية بالوقوف وراء ذلك.
وكشف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، اليوم الثلاثاء، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن روحاني أصدر أوامر لوزارة الاستخبارات الإيرانية للتعرف على مسربي التسجيل الصوتي، مؤكداً أن ما حصل “سرقة” و”مؤامرة”.
وأضاف إن “سرقة الوثائق مؤامرة ضد الحكومة والنظام والانسجام الداخلي والمؤسسات الفاعلة والشامخة في الساحات والميادين وكذلك مؤامرة ضد المصالح الوطنية”.
وأوضح ربيعي “أننا ننتظر لكي يعود السيد ظريف إلى إيران ويقدم توضيحات لازمة بشأن سوء الفهم الحاصل من تصريحاته”، مشيرا إلى أن التسجيل المسرب “تقطيع انتقائي من حوار طويل للغاية تم نشره لأغراض شيطانية”.
ماذا قال ظريف؟
يتناول ظريف، في المقابلة المسربة “السرية” التي يشدد فيها عدة مرات على عدم نشرها، مواضيع متعددة مرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية، منذ استلام روحاني السلطة عام 2013 وتوليه الخارجية في ذلك العام.
وكشف ظريف دوراً روسياً “تخريبياً” في المباحثات النووية التي توجت بالاتفاق النووي عام 2015 واتهمها بالسعي لإفشال هذه المباحثات، وتطرق لدور للقائد السابق لـ”فيلق القدس” بالحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني في السياسة الخارجية الإيرانية، وقضية مهاجمة السفارة السعودية في طهران عام 2016، والهجمات الإسرائيلية في سوريا ضد مواقع إيرانية، فضلاً عن قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية بالقرب من العاصمة طهران مطلع عام 2020.
دور سليماني
وتحدث ظريف في المقابلة عن “الميدان” الذي كان يقوده سليماني في المنطقة، مؤكداً أن سليماني كانت له الكلمة الأولى في السياسة الخارجية، مضيفاً “أنا والقائد سليماني لم نكونا متفقين في كل شيء بالضرورة، لكننا كنا نشعر بأنه علينا أن ننسق مع البعض وكنا نفعل ذلك، وأقول بجرأة إنني أنفقت الدبلوماسية لأجل الميدان (ساحة المعركة) أكثر من أن يضحي الميدان للدبلوماسية”.
وتابع “خلال عملي، لم أستطع وليس لأنه لم أرغب في ذلك من أن أطلب من قائد الميدان أن يفعل فلان عملاً، لأنني بحاجة إليه في الدبلوماسية، وفي كل مرة كنت أذهب إلى التفاوض كان الشهيد سليماني هو الذي كان يقول خذ هذه النقاط في الاعتبار. كان يقول لي وأنت تذهب للتفاوض (حول سوريا) مع (وزير الخارجية الروسي سيرغي) لافروف اطلب منه كذا وكذا”.
وكشف بأن قائد “فيلق القدس” السابق لم يكن يستمع إليه، ضارباً في ذلك مثالاً حول عدم تجاوبه مع مطلبه بعدم استخدام طائرات شركة الطيران الحكومية “هما” بين إيران وسوريا، موضحاً أن “الكثير من التكاليف الدبلوماسية التي تحملناها كان بسبب أن الميدان كان له الأولوية للنظام وإلى هذا المستوى تم التضحية بالدبلوماسية لأجل الميدان وهذا نتيجة أن يكون القرار بيد الميدان”.
غير أن ظريف تحدث أيضاً عن “علاقات صداقة قوية” جمعته مع سليماني، متحدثاً أنه كان يلتقي به كل أسبوع مرة واحدة، وقال إن “الشعب الإيراني يحبذ البطولية في المنطقة، وأنه بين الدبلوماسية وهذه البطولية يحبذ الأخيرة”.
ولفت إلى أنه، حسب نتائج الاستطلاعات من 2016 حتى 2020 “انخفضت شعبيتي من 90 بالمائة إلى 60 بالمائة، وارتفعت شعبية الشهيد سليماني إلى 90 بالمائة”، مؤكداً أن إيران تلقت “ضربة كبيرة” بعد اغتياله.
وأضاف أن اغتيال سليماني “وجّه للبلاد ضربة كانت أكبر من تدمير مدينة”، مشيراً إلى أن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، كان المنسق بينه وبين سليماني.
سوريا
ونفى ظريف في المقابلة رواية إيرانية تقول إن سليماني هو الذي أقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالتدخل عسكرياً في سورية خلال زيارة له إلى موسكو ولقائه مع بوتين عام 2016، قائلاً إن الرئيس الروسي كان قد اتخذ قراره وأرسل السلاح الجوي إلى سورية قبل الزيارة. علماً أن سليماني زار موسكو والتقى بوتن مرة في 2015 وأخرى في 2016، حسب ما نُشر في الإعلام.
واتهم ظريف الرئيس الروسي بـ”جرّ القوة البرية الإيرانية أيضاً إلى الحرب”، قائلاً “لم تكن لدينا قوة برية هناك حتى ذلك الوقت، والسوريون والعرب والأفغان المتطوعون هم الذين كانوا متواجدين”.
وانتقد ظريف خلال المقابلة عدم إطلاعه من قبل “فيلق القدس” على الأوضاع الميدانية في سورية، مشيراً إلى أن كيري هو الذي أخبره بأن إسرائيل نفذت 200 هجوم.
وأثارت هذه النقطة من تسريبات ظريف غضب الجمهوريين الأمريكيين على كيري، ليطالب عدد من النواب الجمهوريين بفتح تحقيق معه وإقالته من الإدارة الأمريكية (يشغل حاليا منصب المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المناخ) لتقديمه “معلومات سرية” لظريف.
ودفعت هذه الانتقادات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلى نشر تغريدة ينفي فيها تقديم معلومات عن الهجمات الإسرائيلية “السرية” في سوريا إلى ظريف.
اتهامات “ثقيلة” لروسيا
ولعل أحد أهم محاور مقابلة ظريف المسربة، هو ما كشف عنه بخصوص السياسة الروسية تجاه الاتفاق النووي والمباحثات التي أفضت إلى هذا الاتفاق، مع توجيهه اتهامات ثقيلة للجانب الروسي بالسعي لإفشال تلك المباحثات والاتفاق.
وقال ظريف إن “روسيا كانت عازمة ألا يتم التوصل إلى الاتفاق النووي”، مضيفاً إن “الروس لم يتوقعوا أن يتم الوصول إلى الاتفاق النووي، وفي الأسابيع الأخيرة من المفاوضات عندما وجدوا أنها ستتوصل إلى النتيجة بدأوا بتقديم مقترحات جديدة” لعرقلة الوصول إلى الاتفاق.
وأشار إلى أن روسيا وفرنسا اقترحتا إجبار إيران على الحصول على تصريح من مجلس الأمن لتمديد الاتفاق النووي كل ستة أشهر مرة واحدة، أي “أن تضطر إيران للتفاوض كل ستة أشهر مع الخمسة أعضاء الدائمين والـ10 الأعضاء غير الدائمين في المجلس لتمديد الاتفاق”.
وكدليل على هذا الانزعاج الروسي، أشار إلى غياب وزير الخارجية الروسي في الصورة المعروفة التي جمعت وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتفاق النووي بعد دقائق من التوصل إليه في لوزان السويسرية.
وأوضح أن روسيا قبل الوصول إلى الاتفاق بثلاثة أشهر وبعدما علمت باقترابه، حاولت “بكل ثقلها” عرقلته، مشيراً إلى أن لافروف حاول عشية المباحثات وقفها، وأنه أبلغ كيري ومنسقة السياسة الخارجية الأوروبية السابقة، فيدريكا موغريني، بأنه سيغادر المباحثات ويعود بعد أربعة أيام.
وأضاف ظريف إنه عشية الاتفاق شارك في اجتماع مع لافروف وكيري وموغريني، مخبراً وزير الخارجية الأميركي الأسبق أنه لن يقبل بما طرحه من نقاط جديدة، حينئذ قال لافروف “أنت إذاً ليست عندك تعليمات، فلنغادر نحن وننتظر حتى تأتي بتعليمات، هنا غضبت كثيرا منه وخاطبته بكلمة حادة وقلت لا دخل لك بالأمر بتاتاً”.
وأشار، في السياق، إلى “التطورات مع روسيا وما بعدها والأحداث التي وقعت في المنطقة ومهاجمة السفارة السعودية (في طهران) وكتابة شعار محو إسرائيل عن الوجود على الصواريخ واحتجاز زورقين أميركيين” في الخليج عام 2016 من قبل “الحرس الثوري” واعتقال 10 بحارين أمريكيين، ولفت إلى أن “كل ذلك حصل حتى لا ينجح الاتفاق النووي”، في تلميح إلى تقارب بين أجندة قاسم سليماني والأجندة الروسية ضد الاتفاق النووي.
ووصف ظريف خلال المقابلة مهاجمة السفارة السعودية في طهران عام 2016 من قبل شباب غاضبين على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي محمد باقر النمر بأنها “خيانة”.