الجمعة 30 نيسان/أبريل 2021
سوريا اليوم – متابعات
توفي أمس (الخميس) الأديب والإذاعي السوري “نصر الدين البحرة” في أحد دور رعاية المسنين بدمشق عن عمر ناهز 87 عامًا متأثرًا بمرض “كورونا”. وبرحيله تنطوي تجربة إبداعية امتدت لأكثر من 50 عاماً في الكتابة الأدبية والتأليف والعمل الإذاعي، بحسب ما جاء في تقرير فارس الرفاعي لصحيفة زمان الوصل.
وكان البحرة الملقب “أبو عمر” من جيل الرواد في كتابة القصة القصيرة إلى جانب “فارس زرزور” و”فؤاد الشايب” و”زكريا تامر”، وإلى جانب القصة القصيرة، كتب الشعر العمودي وقصيدة النثر والدراسات الأدبية والسينمائية والتاريخية، وله مقالات كثيرة منشورة في الصحف السورية والعربية.
وقدم الراحل الكثير من البرامج الإذاعية منذ عام 1952، ومنها برنامج “أوراق وذكريات” الذي كان يعده ويقدمه بصوته على هواء “إذاعة دمشق”، كما كان واحداً من مؤسسي المسرح القومي وعمل ممثلًا، وأعد وأخرج بعض الأعمال المسرحية على مسرح معرض دمشق الدولي عام 1960 بالإضافة إلى عمله في الصحافة الثقافية، وكان -وفق مقربين- رجلاً محبوباً لا عداوة له.. ظريفاً في جلسته وفي كلامه وفي سلوكه.. صافي السريرة و”كان البحرة أديباً حكواتياً وخزان معارف، تتيسر له سبل القول برشاقة ورنة صوت دمشقية مميزة، وقد أغنى دمشق بكتاباته عنها، واغتنى بتفاصيلها السرية والعلنية، فأتحفنا بكتاباته وأحاديثه الإذاعية المتميزة”، كما نعاه الباحث التراثي “محمود مفلح البكر”.
ولد الراحل “البحرة” في دمشق بحي “مئذنة الشحم” في “القيمرية” في 15 آب أغسطس 1934 في بيئة دمشقية أرستقراطية محافظة، لوالده “محمد سعيد البحرة” ووالدته “رسمية العشي” التي ربته بعد وفاة والده حين كان في السابعة من العمر.
حصل على إجازة في الفلسفة والدراسات الاجتماعية من جامعة دمشق وعمل منذ شبابه الباكر في التعليم الابتدائي والثانوي مدرساً للفلسفة واللغة العربية في مدارس دمشق وبيروت، فضلاً عن عمله في الصحافة منذ خمسينات القرن الماضي، حيث كان محرراً وأمين تحرير في عدد من الصحف الصادرة في سوريا، مثل “الصرخة”، و”الطليعة”، و”الرأي العام”، و”صوت العرب”، و”الثورة”.
وفي عام 1955 نال “البحرة” الجائزة الأدبية الثانية في مهرجان “وارسو” الدولي للشباب والطلاب عن قصته “أبو دياب يكره الحرب”.
ومن كتبه التي أصدرها خلال سيرته الأدبية: “هل تدمع العيون – قصص – دمشق 1957″ أنشودة المروِّض الهَرِم -وزارة الثقافة -قصص- دمشق 1972”- رمي الجمار – وزارة الثقافة – قصص – دمشق 1980 “- أغنية المِعْوَل- اتحاد الكتاب العرب- قصص للأطفال ومسرحية – دمشق 1978”. و”رقصة الفراشة الأخيرة – دار المجد -قصص – دمشق 1989.”، “محاكمة أجير الفَرَّان – دار المجد – قصص – دمشق 1998″، “أحاديث وتجارب مسرحية – دراسة أدبية – دمشق 1977″ الأدب الفلسطيني المعاصر بين التعبير والتحريض – دراسة أدبية – دمشق 1977″ البستان – اتحاد الكتّاب العرب – مجموعة شعرية – 1997″ دمشق الأسرار – مطبعة الجمهورية – دراسة تاريخية – دمشق 1993”.
ورثى الراحل “البحرة” عدد من أصدقائه ومحبيه بعبارات مؤثرة. حيث قال رئيس اللجنة الدستورية السورية “هادي البحرة” إن سوريا فقدت بعمومها ومدينة دمشق أحد أدبائها الذي كان نبعاً من ينابيع العطاء فيها، نبض قلبه بحبه لوطنه ومدينته. وأضاف: “لطالما استمعنا إلى برامجه وقرأنا قصصه وقصائده ودراساته التاريخية ومقالاته، اليوم رحل عنا بجسده، ولكن أدبه وعطاءه وأثره الطيب يبقى شمعة منيرة في تاريخنا وتراثنا”.
ووصفت الأديبة “غادة الأحمد” الراحل بأنه “كان رجلاً محبوباً لاعداوة له …ظريفاً في جلساته وفي كلامه وفي سلوكه..صافي السريرة “. وأضافت أنها لم تجد رجلاً يضحكها حتى البكاء مثل “نصر الدين البحرة” الذي كان تاريخا متنقلا من الحكاية والتراث الشعبي”.
وقال الفنان “عبد الحكيم قطيفان” إن دمشق حزينة اليوم بفقد أجمل أبنائها وأكثرهم محبة ووفاء لروحها وتاريخها وعطر ياسمنها وحواريها ..رحل المثقف الجميل والنديم وحارس روحها”.
وبدوره رثا “نوار البحرة” ابن شقيقة الكاتب الراحل خاله الذي توفي في دار العجزة بعد شهر من انتقاله إليها. وأضاف أن الأديب الراحل “تجرع مرارة اليتم التي عاشها مبكراً حتى الثمالة بمرأى نافذته الأخيرة عبر ذكرى نافذته الأولى، إلى سوريا التي أحبها، ولفظته، مات حزيناً ومحباً لدمشق التي تلقفته يتيماً ولفظته عاجزاً بعد أن جردته من محبيه، وتركته وحيداً، في إشارة إلى عدم تمكنه من التواصل مع أبنائه الفنانين “عزة وعمر البحرة” بسبب الموقف مما يجري في سوريا.
وكانت الفنانة المعارضة قد كتبت قبل شهر من وفاة والدها بنبرة مؤثرة” بئس هذا الزمان الذي جعل أولادك بعيدين عنك وعاجزين عن خدمتك ومساعدتك لعبور هذه المرحلة البشعة”. وأضافت أن شوقها وحنينها للحديث مع والدها يجسد توقها وحنينها لدمشق.
وبدوره علّق الكاتب “Arsen Kiumjyan” على رحيل “البحرة” أن دمشق تخسر شيئاً فشيئاً كبار حرّاسها، والمؤتمنين على رعايتها …!.واضاف أن دمشق تفقد برحيل “نصر الدين البحرة” جزءاً مهماً من ذاكرتها الوضّاءة، ونكهتها الشامية الأصيلة، والشخصيّة الشعبية والمحببة الظريفة، وأحد أركانها الثقافية، وتراثها الشفوي.