الخميس 20 أيار/مايو 2021
من المؤكد فوز الرئيس بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري وفق ترتيبات دستور 2012، وسوف يضمن بذلك ولاية دستورية ثانية، يفترض أن تكون الولاية الأخيرة وفق منطوق المادة 88 منه. في بعض الدول الديمقراطية يكثف الرئيس عادة، في ولايته الأخيرة، جهوده لتنفيذ السياسات التي أعلن عن تبنيها، ولم تتح له الفرصة لتنفيذها في ولايته السابقة. غير أن ذلك لا ينطبق على النظام السوري والأنظمة الشبيهة. لقد بني النظام السوري بطريقة تجعل جل اهتمامه مكرساً للبقاء في السلطة، وبالتالي من الصعب تصديق مجرد احتمال أن يتركها بعد انتهاء ولايته الثانية، وليس أسهل عليه من تعديل الدستور ليبقيه فيها.
لقد ورث بشار الأسد عن أبيه الرئيس الراحل حافظ الأسد نظاماً أمنياً جهازياً قل نظيره، في تعميم شامل لمفهوم الأمن، بحيث يشمل جميع مناحي الحياة. القوة الحقيقية في هذا النظام هي للأجهزة الأمنية والعسكرية، فهي المرجع والمقرر في كل ما يخص الدولة والسلطة والمجتمع.
ومن أجل إخفاء، وتمويه الحقيقة الأمنية الجهازية للنظام، تم استخدام حزب البعث، والأحزاب المتحالفة معه، في إطار ما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية، بعد قتل روح الحزبية فيها، وتحويلها إلى مجرد أجهزة للسلطة، لتؤدي وظيفة الغطاء السياسي الديكوري لها. ومن أجل الهدف الأمني ذاته أيضاً، تم تحويل جميع التنظيمات النقابية، وهيئات المجتمع المدني والأهلي، بعد القضاء على الروح النقابية فيها، إلى مجرد أجهزة للسلطة، تقوم بمهام أمنية بالمعنى الواسع لمصطلح أمن.
نظام هذه هي حقيقته ماذا يتوقع منه بعد الانتهاء من الانتخابات، وتشكيل الطاقم الحكومي الجديد للرئيس. ثمة تكهنات كثيرة، بعضها تسريبات من داخل أجهزة النظام تفيد بأن إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة سوف يتم إنجازها خلال السنوات القادمة. وذهب بعض هذه التسريبات، قيل إنها من مصادر قيادية في النظام ومقربة من القصر، بأن المعارضة ذاتها سوف تتفاجأ بها. لكن ما ورد على لسان العديد من مسؤولي النظام بالعربي الفصيح “إن ما عجزت عن أخذه المعارضة بالقوة لن تحصل عليه بالسلم” لهو أصدق أنباء من التسريبات. ويبرهن على ذلك عدم تعاطي النظام بجدية مع مسار جنيف السياسي لتسوية الأزمة السورية. قيل في تفسير الغرض من عدم جديته ومماطلته في اللجنة الدستورية هو لتمرير الزمن من أجل إجراء الاستحقاق الدستوري وإجراء الانتخابات الرئاسية، وضمان عهدة جديدة من سبع سنوات، لكن هذا التفسير لا يتفق بتاتاً مع طبيعة النظام. وقد قدم دليلاً مباشراً على ذلك من خلال مرسوم العفو الذي أصدره مؤخراً واستثنى منه معتقلي الرأي والسياسيين. في الواقع هو يراهن على إعادة تعويمه عربياً، ومن ثم دولياً. اليوم أغلب الدول العربية قد أعادت علاقاتها معه، وها هي السعودية على الطريق تهرول باتجاهه، وسوف تتلوها الكويت ومن ثم المملكة المغربية، ولن تتأخر كثيراً قطر، وقريباً سوف تشغل سوريا مقعدها في الجامعة العربية. وبالتوازي سوف تتراجع المعارضة بتغير وجهة داعميها، بعضها قد يجد سبيلاً للعودة لتحت “سقف” الوطن، وبعضها الآخر قد يعيد ترميم دكانه السياسي ويغير خطابه.
لكن المشهد السوري أكثر تعقيداً فهو موزع إلى مناطق نفوذ، وفي هذه المناطق توجد قوى سياسية وعسكرية لها مطالبها، بعضها ذو طبيعة إرهابية، لكن بعضها الآخر من طبيعة علمانية وديمقراطية.
في منطقة النفوذ التركي حيث تتواجد القوى الإرهابية لا خيار سياسي وطني أمامها، بل خيارات استراتيجية تركية تستخدمها كأدوات في الضغط على النظام من أجل عدم منح الكرد السوريين أي حق من حقوقهم الطبيعية، وخصوصاً حقهم في شكل من أشكال إدارة هذه الحقوق وسوف تضحي بهم في نهاية المطاف.
أما في منطقة النفوذ الأميركية فتتواجد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وغطاؤها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، وهي قوى تمثل الطيف السوري في مناطق تواجدها تتبنى العلمانية والديمقراطية واللامركزية كخيار استراتيجي لها، وحاولت تقديم نموذج لها من خلال الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
أمام هذا المشهد، يقف النظام كبالع الموس: فهو من جهة يطالب ببسط سلطة الدولة على كامل الجغرافية السورية، ويعد ذلك شرطاً للتقدم في مسار الحل السياسي، غير أن بسط سلطة الدولة التي يطالب بها لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الحل السياسي، وهذا ما بلغه الروس مراراً لقادة النظام. فهم أي الروس لا يمكن أن يدخلوا في حرب مع أميركا او تركيا من أجل إعادة توحيد سوريا، وأن الطريق الوحيد السالك هو طريق الحل السياسي وتطبيق القرار 2254 وإجراء انتخابات منظمة ومراقبة من قبل الأمم المتحدة. هنا لا بد من طرح سؤال أساسي هل يعني النظام فعلاً ما يقوله ويطالب به حول إعادة بسط سلطة الدولة على كامل الجغرافية السورية، أم تكفيه ما يسميها الاعلام بسوريا المفيدة، هذا ما سوف تكشفه الفترة الرئاسية القادمة.
المصدر: نورث برس
- منذر خدام كاتب سوري