الخميس 27 أيار/مايو 2021
لو قيل لبشار الأسد عام 2011 ستنتهي المعارضة السورية وستفقد مصداقيتها محلياً ودولياً لما صدق. لقد أعطته قيادة المعارضة أكثر مما كان يحلم وبرعاية دولية.
لوقلنا للشارع السوري اليوم إن كثيرين من رموز المعارضة كانوا أقرب لإيران منذ البداية وإنهم كانوا ممولين تاريخياً من جهات قريبة منها لما صدق أحد الكلام وحتى لو أعطيناه كافة الإثباتات، فهذا الشارع كان سيستمر بالتأليه والتصفيق. مع أن كافة المؤشرات كانت تؤكد مواقف القيادات غير المتقيدة بالداخل ولا بمطالبه، إلا أن هذا الداخل كان أضعف من أن ينظم ذاته ويفكر ببرنامج سياسي.
عندما نسترجع البدايات نلاحظ أن الشعب حلم بالتغيير ونزل للشوارع ظاناً أنه كغيره من الشعوب يملك مصيره، ولكنه سرعان ما رأى بأم عينه كيف كان سهلاً جداً على النظام قتل المتظاهرين العزل وكيف أن المعارضة تم احتكارها ما بين الإخوان وإعلان دمشق لكي تتخذ قرارات مصيرية أثبت التاريخ أنها كانت أحد أسباب فشل الثورة.
في البداية لم يكن هناك تمويل ومعاشات، كان الإخوان يملكون ما يكفي لإعلان مؤتمرات في فنادق تركية غالباً أو أوروبية كمؤتمر استنبول وبروكسل وغيرها. الشعب كان لا يعرف الإخوان جدياً ولكنه كان قد سمع ببعض رموز المعارضة الذين يوثق بهم.
البعض رفض المشاركة كالراحل الطيب تيزيني وربما كان عنده بعد نظر وبقت يداه نظيفتان من دماء الشعب السوري ومن مال الولاءات.
الاتفاق بين إعلان دمشق والإخوان قديم، وكان بنظر البعض ضماناً لمنع انزلاق سوريا نحو جمهورية إسلامية. كانت في البدايات هذه التحالفات تشبه ما جرى في تونس أي يسار علماني مع إخوان مسلمين متفقون على الثورة وفيما بعد على الديمقراطية. ولكن في سوريا حتى قبل انتصار الثورة ظهرت الخلافات والتناقضات.
والإسلام المطلوب كان أشبه بما نعرفه اليوم في ريف إدلب، أي اسلام متطرف لا يقبل بالآخر، واليسار السوري يسار ممزق، أما العلمانيون فتم تغييبهم وفُرض على حلفاء الإخوان التنازل عن العلمانية.
مع مرور الوقت أصبح النظام السوري بمعية إيران وروسيا شديد الدموية وتسلح الشارع السوري, انشق بعض الضباط رافضين إطلاق النار على الشعب الأعزل، ولكن لم يكن ممكناً لهؤلاء أن ينالوا ثقة الإخوان المسلمين وقطر، ومن حينها تدفق التمويل للكتائب المعارضة التي اتخذت أسماء عندما نذكرها نتصور أنفسنا في عصر آخر كأحفاد الرسول ولواء الحق وهلم جراً ..
توقع الشارع تدخلاً خارجياً لإنقاذه، ولكن أوباما وقطر لم يكونا جاهزين لإغضاب إيران لهذه الدرجة. قطر كانت تمول الشارع والمعارضة، تلك التي قيل إنها البديل، ولكن عملياً نجحت قطر بترك النصر لإيران. فإيران صديقة الإخوان كما أثبتت تصريحات مرسي ومواقف الجزيرة وحماس ولكن في الوقت ذاته هؤلاء الإخوان هم من تم تسليمهم العمل الميداني في سوريا.
الولايات المتحدة وأوروبا كانا على علم تام بما يجري: إيران في المعارضة وتدعم النظام. أما عن تاريخ العلاقات وكيف تم اختيار المرشحين من المعارضة للقيام بهذا الدور البطولي، فتم اختيار العلمانيين واليسار ممن قبض في الماضي من إيران عبر حركة أمل اللبنانية مثلاً, أحدهم كان ممولاً منذ أيام دراسته وبقي على الولاء ذاته، وأما فيما يخص الإخوان فهم حلفاء لملالي إيران يملكون المشروع ذاته.
عندما كان يقال هذا الكلام لثوار الداخل كانوا لا يصدقونه وكان غضب الشارع على الغرب يزداد يوماً فيوماً. في الواقع الشارع لم يكن يعلم أن المعارضة كانت تجالس الغرب للدفاع عن مصالح إيران.
ثم تأسلم الشارع واعتبر المسلحون أنفسهم في فتوحات إسلامية وبتنا نسمع مقولة “القرآن دستورنا ” وأصبح المعارض المسيحي الراحل ميشيل كيلو: يقول “أنا أقبل بالإسلام شرط أن يطبق الإسلام الصحيح.”
ثم تدريجياً ظهرت كتائب تابعة للقاعدة وبعدها تم الإعلان عن داعش ..وتم إعدام الرهبان وفي ريف إدلب المناطق المحررة أخذت الهيئة الشرعية مكان الدولة..
في الوقت ذاته بدأت تظهر فضائح الفساد المالي للائتلاف وقبله المجلس، ولم تقبل قيادة المعارضة التواجد في الأراضي المحررة وفضلوا أن تقاد ثورتهم من استنبول وباريس. وكثر عدد الموظفين التابعين لمؤسسات المعارضة ومنظماتها .
عندما نتحدث عن الذين قادوا المعارضة ومن استفادوا من المؤسسات المعنية بها فنحن لا نتحدث عن كل سوريا نحن نتحدث فقط عن التابعين للإخوان ويساريي إعلان دمشق ونضيف لهم بعض المستقلين كما سموا أنفسهم ، ولا ننسى بعض التشكيلات الوهمية. ولكن هذا اللوبي لا يمثل إلا مجموعة من المعارضة وهناك في سوريا توجهات أخرى ومعارضات أخرى لم تستفد مثلهم من معاشات قطرية مثلاً، لأن قطر غير راضية عنهم ..
قطر حرة بمالها تمنحه لمن تشاء وقطر حرة بتوجهها الإخواني تفرضه بمالها على من يقبل، واستطاعت فرض هؤلاء لمرحلة ما كممثلين للشارع السوري، ولكن قطر بالنهاية صديقة إيران وكانت تطمح في لحظة ما إحداث اختراق وفرض ما لدى إيران كبديل سني للأسد ولكن إيران لم تقبل لأن الصراع على سوريا يعني روسيا والسعودية أيضاً.
تسليم سوريا بحلة سنية لإيران وبموافقة تركية كاد أن يتم ولكن ما بين الطاعون والكوليرا قال الشعب السوري كلمته واكتشف الجميع أن هذه المعارضة غير قادرة على التحكم بأي فصيل تابع لها على الأرض وبأنها لم تدخل فعلياً الأراضي المحررة وبان الفصائل المعارضة هناك تؤتمر من تركيا .. وبأن أكثر ما يملكه هؤلاء هو إعلان بيانات صحفية توقفت وكالات الأنباء الدولية عن ترجمتها.
المصدر: نورث برس
- لمى الأتاسي كاتبة سورية