واشنطن لا تنوي الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية.. وموسكو تشيد بنزاهتها

الجمعة 28 أيار/مايو 2021

سوريا اليوم – متابعات

تباينت ردود الفعل بين واشنطن وموسكو إزاء الانتخابات الرئاسية السورية تبايناً كبيراً، جعل المراقبين يحارون إن كانت التعليقات حول نفس الانتخابات.

وبينما قالت الإدارة الأمريكية إنها تعتبر الانتخابات التي جرت في سوريا الأربعاء 26 أيار/مايو “ليست حرة ولا نزيهة” داعية المجتمع الدولي إلى رفضها. فلم تعلق روسيا على الانتخابات بشكل رسمي في انتظار نتائجها، ولكن مسؤولين روس هاجموا المواقف الغربية والتدخل الأوروبي في الشأن الداخلي السوري، بينما نقلت مصادر روسية عن روس راقبوا الانتخابات الرئاسية السورية إشادتهم بها وبمطابقتها للمعايير الدولية.

وكان وزاراء خارجية 5 دول غربية (الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا) أعلنوا موقفهم قبل الانتخابات بيوم واحد في بيان مشترك جاء فيه: «نحض المجتمع الدولي على أن يرفض من دون لبس هذه المحاولة من نظام (الرئيس بشار) الأسد ليكتسب مجدداً الشرعية من دون أن يوقف انتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان ومن دون أن يشارك بشكل ملحوظ في العملية السياسية التي سهلتها الأمم المتحدة بهدف وضع حد للنزاع».

وأكد الوزراء أنهم يريدون «القول بوضوح» إن هذه الانتخابات «لن تكون حرة ولا نزيهة»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف الأميركي أنتوني بلينكن والألماني هايكو ماس والبريطاني دومينيك راب والفرنسي جان إيف لودريان والإيطالي لويجي دي مايو: «ندين قرار نظام الأسد إجراء انتخابات خارج الإطار الوارد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ونؤيد أصوات جميع السوريين، خصوصاً منظمات المجتمع المدني والمعارضة السورية، الذين نددوا بهذه العملية الانتخابية بوصفها غير شرعية»، بحسب ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط.

كما أكدت تركيا (الداعم الرئيسي لفصائل المعارضة المسلحة) الأربعاء أن الانتخابات الرئاسية في سوريا غير شرعية، ولا بد من استمرار الجهود التي تقودها الأمم المتحدة من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة المستمرة، منذ عشر سنوات. وأكدت وزارة الخارجية التركية في بيان نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، أن «الانتخابات التي يجريها النظام السوري اليوم غير شرعية ولا تعكس الإرادة الحرة للشعب». وأضافت أن التصويت «لا يتسم بالحرية والنزاهة».

وكان الرئيس السوري بشار الأسد تحدى المجتمع الدولي يوم الأربعاء عقب إدلائه بصوته في مدينة دوما بريف دمشق، معلقاً على المواقف الدولية المنتقدة الرافضة للانتخابات بقوله: «قيمة آرائكم هي صفر وقيمتكم عشرة أصفار».

الموقف الأمريكي: انتخابات زائفة وغير نزيهة

ويقول مراسل صحيفة الشرق الأوسط في واشنطن معاذ العمري إن مسؤولاً أمريكياً أكد له أنه لا توجد سياسة جديدة تتبعها واشنطن في الأزمة السورية، سوى الالتزام بمخرجات قرار الأمم المتحدة 2254، وتطبيق «قانون قيصر» الذي أقره الكونغرس الأميركي.

وفي إحاطة هاتفية خاصة مع مسؤول أميركي رفيع المستوى في وزارة الخارجية، قال إن الولايات المتحدة لا توجد لديها سياسة جديدة في سوريا، بل تأييد بشكل كامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي يدعو إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقًا لدستور جديد، تدار تحت إشراف الأمم المتحدة، ويشارك فيها جميع السوريين النازحين داخليًا، واللاجئين في الخارج، «وليست انتخابات معروفة نتائجها سلفاً، يفوز بها رئيس بعثي بنسبة 99 في المائة، أو 99.99 في المائة».

وفي رد على سؤال «الشرق الأوسط» حول مطالب بخفض تنفيذ «قانون قيصر»، أو إلغائه من قبل السياسيين في أميركا، أكد، أن العمل بـ«قيصر» سيتم الأخذ به، «حتى يختار الكونغرس إلغاءه»، بيد أنه عاد وشدد على أن القانون لن يتم تجاهله خصوصاً أنه تم إقراره بعد الموافقة عليه من الأغلبية الساحقة في الكونغرس. وأضاف: «تم تمرير قانون قيصر بأغلبية ساحقة من الكونغرس، لذا فإن الإدارة ستنفذ القانون، إذ يسعى القانون إلى الحد من قدرة بشار وآخرين في الحكومة السورية على الاستفادة من الصراع ومن أي إعادة إعمار تتم بعد النزاع، وسيبقى هذا القانون ما لم يختر الكونغرس إلغاءه. ولكن كما قلت، مع الدعم الساحق من الحزبين لمرور القانون الأصلي، لا يبدو ذلك مرجحًا في أي وقت قريب».

وفيما يخص عدم تعيين مسؤول مختص بالشأن السوري، قال بأنه يتم تعيين مبعوثين «عند الضرورة القصوى»، وفي الحالة السورية فإن «واشنطن لا ترى شريكًا في بشار الأسد، وللأسف، فإن الانتخابات الصورية التي ينظمها اليوم لا تمنحنا أي ثقة أكبر في أنه على استعداد ليكون شريكًا في السلام». واستطرد: «صحيح أنه ليس لدينا مبعوث خاص أو ممثل خاص، ولكن لدينا ممثل خاص بالإنابة وهي أيضًا نائب مساعد وزير الخارجية (…) وفي سوريا لا نرى الأسد شريكاً للسلام، لكننا نعمل على دفع العملية المنصوص عليها في القرار الدولي».

واعتبر المسؤول الأميركي الذي تحدث قبل إعلان نتائج الانتخابات أن منافسي الرئيس بشار الأسد في الانتخابات السورية ليس لديهم أي فرصة للفوز بالرئاسة، إذ أن الانتخابات الرئاسية تعتبر «زائفة»، معللاً ذلك بأن «بشار الأسد رئيس بعثي كلاسيكي»، مضيفاً: «والسؤال الوحيد عندما تكون هناك انتخابات رئاسية لبعثي؛ هو هل سيحصل على 99 في المائة أو 99.9 في المائة؟ لذلك لا أعتقد أن هناك أي انتخابات حقيقية».

وشدد على أن الولايات المتحدة شجبت «ما يسمى بالانتخابات الرئاسية السورية»، إذ أن «الانتخابات ليست حرة ولا نزيهة، ونحن نحث المجتمع الدولي على رفضها»، داعياً إلى عدم إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأسد، الذي يدعي الشرعية دون حماية الشعب السوري، «ودون احترام التزاماته بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ندعو إلى التفكير مليًا في كيفية معاملة الرئيس السوري لشعبه، من الصعب للغاية تخيل تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع نظام كان شديد القسوة على شعبه، ويجب أن نركز على محاسبة النظام أكثر من إعادة العلاقات الدبلوماسية».

وأكد أن الوفد الأميركي أكد خلال زيارته شرق الفرات «التزامه بالتعاون مع التحالف لهزيمة داعش، واستمرار الاستقرار في شمال شرقي سوريا، وتقديم مساعدات الاستقرار إلى المناطق المحررة لضمان الهزيمة الدائمة لداعش» وأن الأميركيين «ليسوا هناك لحماية النفط، ليسوا هناك لاستغلال الموارد النفطية. النفط السوري موجود للشعب السوري، ونحن لا نمتلك ولا نتحكم أو ندير أيًا من هذه الموارد، ولا نرغب في ذلك».

وأكد المسؤول بالمقابل، أن الوجود العسكري والدبلوماسي الأميركي في شمال شرقي سوريا، لن يتغير في أي وقت قريب.

الموقف الروسي: التصويت بحرية ووفقاً للمعايير الدولية

أما في موسكو، فقد قال مراسل صحيفة الشرق الأوسط رائد جبر إن ردود الفعل الروسية الأولى على الانتخابات الرئاسية في سوريا تراوحت بين «إشادة بمستوى التنظيم ونزاهة وحرية الانتخابات» وفقاً لتعليقات مراقبين روس ومسؤولين في البرلمان، وتقارير إعلامية رأت أن 80 في المائة من السوريين شاركوا في العملية «ما استدعى تمديد فتح صناديق الاقتراع».

ومع غياب التعليقات على المستوى الرسمي الروسي بانتظار ظهور النتائج الأولية كما قالت مصادر، بدا أن مجتمع الإعلام والمستوى البرلماني الروسي ينقلان صورة مغايرة تماماً، للمواقف الدولية، وظهر الحرص على تقديم مشهد للروس يؤكد أن الانتخابات جرت في ظروف طبيعية تماما، لدرجة أن قناة «فيستي» ووكالة «نوفوستي» الحكوميتين تحدثتا في تقارير صباح أمس عن «فرص فوز المرشح الأقرب بشار الأسد».

في حين رأى مراسلو «قناة روسيا 24» التلفزيونية الحكومية أن نتائج الانتخابات الرئاسية تتلخص في سوريا بحضور 80 في المائة من السكان. وقالت إنه بسبب الإقبال الكبير للغاية، تم تمديد التصويت لمدة خمس ساعات وإرسال صناديق اقتراع إضافية إلى مراكز الاقتراع. وقال التقرير التلفزيوني إن الانتخابات جرت من دون وقوع حوادث وبمشاركة مراقبين دوليين، بما في ذلك من روسيا.

في السياق ذاته، نقلت وسائل الإعلام عن المراقبين الروس الذين أشرفوا على عمليات التصويت إلى جانب مراقبين من بيلاروسيا وأرمينيا وإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (انفصلا عن جورجيا بدعم روسي) أن عمليات التصويت سارت بحرية ووفقاً للمعايير الدولية.

وقال رئيس الوفد الروسي النائب في مجلس الدوما (النواب) دميتري سابلين إن عمليات المراقبة لم تسجل وقوع انتهاكات و«الانتخابات تجري بحرية ونزاهة ووفق المعايير الدولية». في حين قال رئيس وفد مراقبي مجلس الاتحاد (الشيوخ) سيرغي موراتوف إن «القول بأن الانتخابات يمكن اعتبارها غير شرعية هو نوع من التحدي لإرادة الأمة السورية».

وبرغم ذلك، برزت أصوات نادرة في الإعلام الروسي أجرت مقارنات بين ما وصفته «طوابير طويلة في مناطق سيطرة النظام، واحتجاجات واسعة في المناطق الأخرى وبينها إدلب ومناطق سورية أخرى ومناطق تجمع اللاجئين السوريين خارج البلاد» وفقاً لتقرير نشرته شبكة «أر بي كيه» المدعومة من رجال أعمال.

في غضون ذلك، برزت انتقادات روسية حادة للتصريحات الأوروبية حول العملية الانتخابية، وقال ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما، إن تصريح رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، بشأن الانتخابات في سوريا، و«المزاعم حول الطبيعة غير الديمقراطية للانتخابات تصب في اتجاه تعقيد مسار التسوية والاستقرار السياسي في البلاد».

وكان بوريل قال في بيان الخميس إن «الاتحاد الأوروبي يعتقد أن انتخابات 26 مايو (أيار) الرئاسية في سوريا تقوض الجهود المبذولة لإيجاد حل دائم للصراع في البلاد. ولم تستوف أيا من معايير تصويت ديمقراطي حقيقي، ولم تسهم في تسوية الصراع».

وشدد سلوتسكي على أن «المزاعم بعدم ديمقراطية التصويت لا تتوافق مع الواقع. مراقبون من روسيا أكدوا أنه لم تسجل أي انتهاكات خطيرة يمكن أن تؤثر على شرعية نتائج العملية الانتخابية».

وبحسب النائب، فقد «شهد مراقبون روس بأن كل سوري حصل على فرصة التصويت، وأن تنظيم الانتخابات امتثل بالكامل لجميع الأعراف الدولية». وشدد سلوتسكي على أن «مثل هذه التقييمات من الاتحاد الأوروبي هي استمرار لسياسة التدخل في الشؤون الداخلية وتغيير النظام ضد إرادة السوريين أنفسهم. فقط الشعب السوري هو من يقرر من يجب أن يكون رئيسه».

إلى ذلك، شنت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا هجوما عنيفا على ما وصفته «الكذب الأميركي حول الانتصارات على الإرهاب في سوريا». وقالت في إفادة صحافية إن «الجيش الأميركي يكذب عندما يتحدث عن دوره الحاسم في الانتصار على الإرهاب في سوريا». مشيرة إلى تصريح في هذا الشأن، نقلته وكالة «أسوشيتد برس» عن قائد القيادة المركزية الأميركية فرانك ماكنزي الذي رأى أيضا أن «تقليص الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط قد يسمح لروسيا والصين بملء فراغ القوى، وتوسيع نفوذهما في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج».

وأضافت زاخاروفا: «لسبب ما أخفى السيد ماكنزي عن الرأي العام حقيقة أن وجود القوات المسلحة الأميركية على الأراضي السورية لم ينل موافقة من حكومة دمشق، الأمر الذي يجعل وجود هذه القوات غير شرعي. إضافة إلى ذلك فإن حديثه يتسم بالكذب والخداع عندما ينسب الفضل للجيش الأميركي وحده في القتال ضد «داعش» ومنع استئناف نشاطه داخل سوريا».