الخميس 17 حزيران/يونيو 2021
سوريا اليوم – متابعات
أسفرت قمة الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف أمس الأربعاء عن «تفاهمات صغيرة» في سوريا، ضمن خطوات تمهد لبحث «احتواء» الوجود الإيراني لاحقاً.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية اليوم الخميس عن دبلوماسي غربي تصريحه لها باعتقاده أنه أمام «الخطوط الحمر» التي سعى بوتين وبايدن لوضعها في الملفات الخلافية، هناك مساعٍ للتعاون في ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني وسوريا ومحاربة الإرهاب.
وتوقع أن تعطي قمة جنيف الضوء الأخضر لاستمرار الحوار الروسي – الأميركي في فيينا الذي توقف في تموز/يوليو 2020، لبحث ملفات عدة، هي: أولاً، استمرار الترتيبات العسكرية شرق الفرات لـ«منع الصدام» ومحاربة المتطرفين شرق سوريا وفي البادية، وأن تدفع موسكو دمشق، وأن تشجع واشنطن «قوات سوريا الديمقراطية»، على الحوار. ثانياً، إقناع دمشق للإجابة عن أسئلة «منظمة حظر السلاح الكيماوي» بموجب اتفاق روسي – أميركي في 2013، مقابل استعادة الحكومة لـ«امتيازاتها» بالمنظمة. ثالثاً، توفير أرضية لتمديد العمل بالقرار الدولي الخاص بالمساعدات «عبر الحدود» الذي تنتهي صلاحياته في 11 تموز/يوليو المقبل.
وكانت إدارة بايدن قد أعطت هذا الأمر أولوية، ورفعت طموحاتها إلى فتح ثلاثة معابر، و«سيكون قبول روسيا بتمديد المعبر الحالي في (باب الهوى) إشارة إلى استمرار التعاون»، حسب الدبلوماسي. لكن مسؤولاً أميركياً كبيراً قال بعد القمة إن واشنطن لم تتلق التزاماً من بوتين بشأن استمرار أو توسيع عمليات مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود إلى سوريا.
وستتضح ملامح المرحلة في إيجاز المبعوث الأممي غير بيدرسن في مجلس الأمن في 25 حزيران/يونيو الجاري، وترؤس وزير الخارجية أنتوني بلينكن اجتماع وزراء خارجية «المجموعة المصغرة» الموسعة في روما على هامش مؤتمر التحالف ضد «داعش» في 28 من الشهر الحالي. وقال الدبلوماسي: «هذه الإشارات السورية قد تتسع لتشمل الأمور الاستراتيجية التي تخص الوجود العسكري الإيراني وتقليصه، خصوصاً في حال الاتفاق على النووي، وربط ذلك بملفي التطبيع والإعمار».
هل توقف «التفاهمات السورية» الانهيار الأميركي ـ الروسي؟
منذ تدخله العسكري المباشر في سوريا نهاية 2015، تحولت كل قمة بين الرئيس فلاديمير بوتين، ونظيره الأميركي الأسبق دونالد ترمب إلى مناسبة لعقد تفاهمات تقترب فيها أميركا أكثر من المقاربة الروسية. والآن، تحولت سوريا في قمة بوتين وجو بايدن في جنيف، أمس الأربعاء، إلى «منطقة عازلة» لوقف الانهيار الكبير بين واشنطن وموسكو، عبر البحث عن تعاون في ملفات محددة، صغيرة أو استراتيجية، في المسرح السوري، بحسب تقرير إبراهيم حميدي المحرر في صحيفة الشرق الأوسط.
ويقول حميدي إن ترمب الذي كان «مصدقاً» لبوتين، وافق في لقاء غير معلن، على هامش «قمة العشرين» في هامبورغ في تموز/يوليو 2017، على وقف النار في جنوب سوريا، كما بادر إلى إلغاء برنامج سرّي كانت تديره «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه)، بمشاركة دول عربية وغربية، لدعم «الجيش السوري الحر» عبر الأردن في الجنوب، لقتال قوات الحكومة السورية. وكان هذا «هدية» من ترمب إلى بوتين قبل لقائهما على هامش قمة آسيا – المحيط الهادئ في فيتنام في تشرين الثاني/نوفمبر 2017. لم يُعقد اللقاء المباشر علناً، واكتفيا بإصدار بيان «يرفض الحل العسكري في سوريا» والإبقاء على قنوات الاتصال العسكرية الروسية – الأميركية بهدف منع «حوادث خطيرة تشمل قوات الشركاء التي تحارب (داعش)».
قبل ذلك، اتفق الجيشان الأميركي والروسي على مذكرة «وقف الصدام» بينهما ورسم «خط فاصل» هو نهر الفرات، بحيث تسيطر واشنطن وحلفاؤها على شرق الفرات، وموسكو وشركاؤها على الجانب الغربي منه.
استمرت المفاوضات الثنائية في النصف الأول من عام 2018، قبل قمة بوتين – ترمب في هلسنكي في تموز/يوليو 2018، التي أسهم في «الترتيب» لها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بهدف «إبعاد إيران عن الجنوب السوري». وفي تلك القمة، أعلن الرئيسان التزامهما «ضمان أمن إسرائيل». وقال بوتين إنه بعد تحرير المنطقة الجنوبية من «الإرهاب يجب العودة لنظام وقف إطلاق النار في منطقة الجولان»، وإن الوضع هناك يجب أن يعود كما كان عليه وفق «اتفاق فك الاشتباك» لعام 1974، فيما قال ترمب إن روسيا وأميركا «تريدان مساعدة إسرائيل للدفاع عن نفسها، وإن توفير الأمن لإسرائيل هو هدف مشترك بيني وبين الرئيس بوتين».
وبعد أيام، وفي بداية آب/أغسطس 2018، أُعلن عن التوصل إلى «صفقة الجنوب» الدولية – الإقليمية. وقال مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف: «إن مقاتلي (حزب الله) والميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران قد انسحبوا جميعاً من هناك» إلى عمق 85 كلم. وأضاف أن الإيرانيين الذين يعملون بصفة مستشارين عسكريين مع قوات الحكومة لا يشملهم هذا الإجراء، ويمكنهم أن يظلوا مع الجيش في مواقع انتشاره قرب خط الفصل بين سوريا وإسرائيل. كما سيّرت «القوات الدولية لفك الاشتباك» (إندوف) دورياتها اعتباراً من أغسطس لأول مرة منذ عام 2012، برفقة الضباط الروس الذين وصلوا إلى خط وقف إطلاق النار المتفق عليه منذ عام 1974، في دلالة على عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.
مع قمة بوتين – بايدن، اختلف الهدف من التعاون في سوريا. لم يعد الهدف بناء الثقة أو تقديم «هدايا» أميركية إلى روسيا، بل استعمال المسرح السوري لوقف الانهيار في العلاقات بين موسكو وواشنطن، ووصولها إلى «أسوأ مستوى»، بسبب العقوبات، والهجمات السيبرانية، والتوتر الدبلوماسي، والتدخلات في الشؤون الداخلية، وملفات تخص كوريا الشمالية وأوكرانيا وغيرها.
وهناك اعتقاد واسع أنه أمام «الخطوط الحمر» التي سعى بوتين وبايدن لوضعها في الملفات الخلافية، هناك مساعٍ لتعاون في ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني وسوريا ومحاربة الإرهاب، خصوصاً أن إدارة بايدن كانت قد وضعت في سوريا أولويات محددة: استمرار هزيمة «داعش»، ووقف البرنامج الكيماوي والتزام دمشق بالاتفاق الروسي – الأميركي لعام 2013، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين «عبر الحدود».
وقبل قمة جنيف، سعى الأميركيون والروس على أعلى المستويات، إلى تبادل الرسائل السياسية والميدانية في كل ملف، بما في ذلك قصف روسي في إدلب استهدف قياديين في «هيئة تحرير الشام» المصنفة تنظيماً إرهابياً حسب مجلس الأمن الدولي، إضافةً إلى الحشد الأميركي لزيادة عدد البوابات الحدودية لإيصال المساعدات، والحشد الروسي ضد العقوبات الأحادية.
«ترقب إنساني» سوري لنتائج قمة بايدن ـ بوتين
ويسود ترقب بين السوريين؛ سواء أكانوا موالين لدمشق أم معارضين، إزاء نتائج قمة الرئيسين جو بادين وفلاديمير بوتين في جنيف منذ الأمس، وأثرها على تدفق المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة وغيرها.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الأربعاء، إن السوريين تطلعوا إلى قمة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، خصوصاً بشأن احتمال غلق معبر باب الهوى الذي ينتهي استغلاله في 10 تموز/يوليو المقبل، وينتظر اجتماع مجلس الأمن لتجديد التصويت على القرار رقم «2533» الذي ينص على السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا من الحدود السورية – التركية من معبر باب الهوى قبالة محافظة إدلب.
وهذا المعبر يمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وقد يشكّل إغلاقه كارثة إنسانية لأكثر من 3 ملايين سوري يقطنون في شمال غربي سوريا، بحسب ما تقول “الشرق الأوسط“.
ونقل «المرصد» عن المعارض السوري الكردي مرشد معشوق الخزنوي، قوله: «تأكد أن الشعب السوري يتيم بلا سند ولا ظهر، فمنذ أول صرخة في 2011 من أجل الحرية والعيش الكريم تم التآمر عليه وخذلانه، وبعد مرور 10 سنوات لا يزال يعاني من أقسى عمليات التعذيب والتطهير والعقاب من قبل النظام الفاشي في دمشق وحلفائه وصولاً إلى محاربته في وجوده وعيشه بأقل متطلبات الحياة، وذلك من خلال التهديد بآخر معبر تدخل منه المساعدات الأممية للسوريين».
وتابع: «يصر بوتين حليف الأسد على معاقبة السوريين في وجودهم كبشر من خلال تجويعهم عبر إغلاق المعابر التي تدخل منها المساعدات الإنسانية، فضلاً عن لقاحات (COVID – 19) والإمدادات الطبية الضرورية والمساعدات الإنسانية للعديد من المحتاجين». وأضاف: «(باب الهوى) هو المنفذ الوحيد المتبقي لتدفق المساعدات الأممية لأكثر من 3 ملايين سوري غالبيتهم من النساء والأطفال، والتهديد بإغلاقه تهديد لحياة هؤلاء جميعاً، وهو إن تم؛ فإن العالم أمام كارثة إنسانية كبيرة لا مثيل لها».
وأوضح أن «الإدارة الأميركية أمام اختبار حقيقي لتثبت مصداقيتها للشعب السوري خاصة؛ وللعالم أجمع، ومن هنا أيضاً؛ فإننا نتطلع إلى تكثيف الجهود من قبل واشنطن ونجاحها في التأثير على قرار موسكو خلال لقاء بايدن – بوتين».
ويعدّ الشيخ معشوق أن نجاح هذا اللقاء وتكليله باستمرار فتح المعبر سيزيد من آمال ملايين الناس الذين يعانون أصلاً ويلات الحرب، «أما في حالة أصرّ الروسي على تجويع السوريين؛ فعلى واشنطن والمجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهما تجاه الملايين من النساء والأطفال الذين سيجتاحهم الموت جوعاً».
إلى ذلك، شددت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد على أهمية إعادة فتح معبري باب السلامة واليعربية لإيصال المساعدات إلى السوريين، منتقدة جهود روسيا لإغلاق المعبرين. ووصفت غرينفيلد في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب التصويت المرتقب في مجلس الأمن لإعادة فتح المعبرين بتصويت «حياة أو موت»، مشيرة الى أن حياة آلاف السوريين تعتمد على هذه المساعدات. وشددت غرينفيلد على أنها ستبذل ما بوسعها لحشد الدعم في مجلس الأمن لإعادة فتح المعبرين.