الأحد 11 تموز/يوليو 2021
سوريا اليوم – دمشق
تناقضت تصريحات مسؤولين سوريين حول قرار مجلس الأمن الدولي الجديد رقم 2585 الذي أُقر بالإجماع الجمعة 9 تموز/يوليو 2021 بخصوص تمديد العمل بمعبر “باب الهوى” في الشمال السوري لدخول المساعدات الإنسانية ستة أشهر قابلة للتمديد ستة أشهر أخرى.
وبعد شد وجذب أمريكي – روسي طوال الأسابيع الماضية، توصل واشنطن وموسكو إلى مشروع قرار تم تمريره في الأمم المتحدة بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر.
ويمدد القرار لستة أشهر، قابلة للتجديد وفق شروط، آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عير الحدود ومن دون موافقة دمشق، وذلك قبل يوم من انتهاء مهلة القرار السابق (انتهت المهلة أمس السبت 10 تموز/يوليو).
ويجمع النص النهائي بين مشروعين متنافسين، الأول لأيرلندا والنرويج، والثاني لروسيا. إلا أنّ مدّة التمديد محط تأويلين متباينين، إذ تقول الولايات المتحدة إنّها لعام واحد، فيما تؤكد روسيا أنّها لستة أشهر قابلة للتجديد في ضوء تقرير مرتقب لأمين عام الأمم المتحدة في نهاية لعام.
وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بعد التصويت الجمعة، إن القرار من شأنه حفظ أرواح الكثير من السوريين، مضيفةً أن واشنطن وموسكو اتفقتا على إدخال المساعدات للشعب السوري.
بدوره، قال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن أعضاء المجلس متحدون بشأن ضرورة تقديم المساعدات العاجلة للسكان شمالي غربي سوريا، لافتاً إلى أنه “ستكون هناك مراقبة لعملية إيصال المساعدات”، بحسب ما ذكر موقع “المدن“.
وأوضح أن روسيا “ستتابع خلال الشهور الستة الأولى تنفيذ القرار، بحيث يتم استبدال آلية المساعدات عبر الحدود في نهاية المطاف عبر خطوط المواجهة (أي من الداخل السوري وبإشراف النظام السوري)”.
ويُعتقد أن الموقف الروسي سيؤدي في نهاية المطاف إلى مراقبة دقيقة لتوجيه المساعدات في مناطق الشمال السوري وإلى أين تصل، بحجة عدم وصول دعم إلى مجموعات “إرهابية”، وأن هذه المعلومات ستُستخدم في محاولة تعطيل جديدة بعد ستة أشهر لاستمرار وصول المساعدات عبر الحدود السورية التركية، والعمل على نقل وصول المساعدات إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية ومنها إلى مناطق المعارضة السورية في الشمال.
صباغ: آلية مسيسة وانتهاك لسيادتنا
وعقب صدور القرار، وفي أول رد فعلي رسمي سوري، تحدث مندوب سوريا في الأمم المتحدة بسام صباغ موجهاً انتقادات حادة للقرار الجديد، إذ أشار في كلمة له عقب التصويت على مشروع القرار إلى أن وفدي روسيا والصين ووفوداً أخرى، بذلت جهوداً من أجل تسليط الضوء على جوانب مهمة تخدم هدف تحسين الوضع الإنساني وإيصال المساعدات إلى محتاجيها من داخل سوريا وهو ما ينسجم مع مبادئ العمل في الأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ، ودعم جهود سوريا في مواجهة وباء كورونا وانعكاساته على شتى مناحي الحياة، ورفع الإجراءات القسرية الانفرادية، والتأكيد على أن الأنشطة الإنسانية أوسع نطاقاً من مجرد تلبية الاحتياجات الإغاثية الطارئة للمتضررين، وينبغي أن تشمل دعم الخدمات الأساسية من خلال مشاريع المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم والمأوى والإنعاش المبكر التي يحتاجها السوريون والتي من شأنها المساعدة في توفير البيئة المناسبة لعودة المهجرين واللاجئين إلى وطنهم والنازحين داخلياً إلى منازلهم، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن السورية شبه الحكومية.
و لفت صباغ إلى أنه في المقابل ركزت الدول الغربية جهودها فقط على تمديد هذه الآلية التي تخدم أجنداتها، مؤكدة مجدداً عدم مبالاتها بمعاناة الشعب السوري ومواصلتها استهداف سوريا من خلال هذه الآلية والإصرار على انتهاك سيادتها ومحاصرة شعبها، لافتاً إلى أن مبالغة بعض الدول في توصيف آلية إدخال المساعدات بأنها شريان منقذ للحياة، تضليل هدفه التلاعب بمشاعر الرأي العام وابتزاز عواطفه.
وبيّن صباغ أن الجولات الاستعراضية التي قام بها ممثلو بعض الدول الغربية إلى المناطق المجاورة لمعبر باب الهوى، في إشارة إلى المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، “تؤكد انحياز تلك الدول وتجاهلها معاناة ملايين السوريين في مختلف المحافظات نتيجة الإجراءات القسرية الانفرادية التي تفرضها وصمتها المشبوه عن استخدام “النظام التركي” المياه سلاح حرب ضد المدنيين فضلاً عن استمرار قوات الاحتلال الأمريكي والتركي بنهب الثروات السورية”، بحسب تعبيره.
وشدد صباغ على “موقف سوريا المبدئي الثابت الرافض لهذه الآلية المسيسة لما تمثله من انتهاك لسيادتها ووحدة أراضيها وللعيوب الجسيمة التي شابت عملها من غياب للشفافية والمصداقية والمهنية في الرقابة والتوزيع والفشل في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها وليس إلى التنظيمات الإرهابية، علاوة على ما تحققه هذه الآلية للنظام التركي من مكاسب مالية ودعم لسيطرة تنظيم جبهة النصرة المدرج على قائمة مجلس الأمن للكيانات الإرهابية على إدلب”.
وأكد صباغ، بحسب ما نقلت “الوطن”، أن سوريا “مستمرة في تلبية الاحتياجات الإنسانية لمواطنيها وتوفير الدعم لمحتاجيه للتخفيف من الانعكاسات السلبية التي خلفتها الحرب الإرهابية وستواصل تقديم الدعم والتسهيلات لوكالات الأمم المتحدة والشركاء الوطنيين والدوليين في العمل الإنساني لضمان وصول المساعدات إلى محتاجيها في جميع أنحاء البلاد”، مشدداً على أن “الارتقاء بالوضع الإنساني يقتضي التعاون الإيجابي والبناء مع الحكومة السورية انطلاقاً من مركز العمل الإنساني في دمشق وبعيداً عن محاولات الضغط والابتزاز وتكرار اللاءات والإملاءات”.
وقالت الصحيفة إن صباغ أعرب “عن أسف سوريا لعدم تشاور حاملي القلم الإنساني (إيرلندا والنرويج)، معها بخصوص مشروع القرار وتغييب وجهة نظرها لكونها البلد المعني بهذه العملية، الأمر الذي يمثل إخلالاً من الدولتين بالتزاماتهما والمسؤوليات الملقاة على عاتقهما بصفتهما عضوين في مجلس الأمن وحاملين لهذا القلم”.
المقداد: القرار إنجاز يحفظ وحدة سوريا!
وأمس السبت، في اليوم التالي لإقرار القرار 2585 في مجلس الأمن، أدلى وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد بتصريحات تعبر عن موقف مناقض لذلك الذي عبر عنه صباغ في الأمم المتحدة.
فقد نقلت وكالة الأنباء السورية الحكومية (سانا) عن المقداد تأكيده أن اعتماد القرار 2585 بشأن تمديد دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود بصيغته الحالية “يعد إنجازاً لأنه تضمن كل الجوانب التي كانت الدول الغربية ترفض تناولها ويشدد على إيصال المساعدات الإنسانية من الداخل السوري وليس فقط من المعابر”.
وقال الوزير المقداد في تصريح للصحفيين “إن القرار يجدد إيمان الأمم المتحدة القوي بوحدة أرض وشعب سوريا وهذا يعني أن “النظام التركي” لن يكون مرتاحاً وكذلك الولايات المتحدة التي تدعم الانفصاليين في الشمال السوري، كما يعني أن المسلحين والإرهابيين قد تمت محاصرتهم في هذا القرار الذي شدد في جميع فقراته على ضرورة تقديم كل المساعدات الممكنة لسوريا وخاصة من الداخل السوري”.
وبيّن المقداد أن “القرار يعني أن المعابر الخارجية لم تعد هي الأداة الأساسية التي كان يعتمد عليها الغرب في إطار إيصال المساعدات لسوريا بل أصبح الداخل السوري هو الأساس”، مشيراً إلى أن “الدول الغربية كانت تريد أن تعيد فتح المعابر الثلاثة الأخرى لكنها لم تحصل إلا على نصف معبر وهو معبر باب الهوى كما كانت تريد تمديد إدخال المساعدات منه لمدة سنة لكن الأصدقاء لم يوافقوا إلا على إدخال هذه المساعدات لستة أشهر”.
وأوضح المقداد أنه “مع القرار الجديد الذي أكد على إدخال المساعدات من داخل سوريا ستصبح الدولة على دراية وبشكل دقيق بما يدخل إلى البلاد وإلى أين تذهب المواد الغذائية والإنسانية وسيصبح من الصعب على الدول الغربية أن تقوم بتمرير الأسلحة للإرهابيين على اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المساعدات الغربية”.
وأشار وزير الخارجية إلى أن “الأصدقاء الروس والصينيين وآخرين في مجلس الأمن نجحوا في تقييد حرية وصول المساعدات الغربية والتركية إلى المسلحين والإرهابيين”، مبيناً أن “هذه خطوة أساسية باتجاه إغلاق معبر باب الهوى لأن احترام السيادة السورية يأتي من خلال احترام حدودها الإقليمية وعدم وجود أي استثناءات لأي حدود لإدخال أي شيء لا ترغب الحكومة السورية بإدخاله”.
وأضاف “نحن مرتاحون لهذا الجهد الذي قام به الأصدقاء الروس والصينيون والدول الأخرى الأعضاء وخاصة غير الدائمين في مجلس الأمن ونعبر عن تقديرنا لجهدهم الكبير لأن القرار الجديد وضع الكثير من القيود على حركة البضائع وحركة الدول الغربية التي كانت تستهتر بالحدود الدولية واستخدام هذه المعابر للإساءة إلى وحدة أرض وشعب سوريا”.
وبيّن المقداد أن “المعابر الحدودية كانت تستخدم من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وكل من يدعم الإرهاب من أجل تزويد المسلحين والإرهابيين بالمواد التي يريدونها، والكثير من الأسلحة دخلت مع هذه المساعدات وأن الأمم المتحدة التي أنشأت هذه الآلية لم تقم بواجبها في مراقبة البضائع التي تدخل إلى سوريا”، بحسب ما نقلت عنه (سانا).
وأضاف “إن الأمم المتحدة فشلت كما الدول الغربية في إدخال مساعدات حقيقية إلى الشعب السوري حيث كانت تلقى هذه المساعدات على الحدود وبعد ذلك يتلقاها المسلحون وتنظيماتهم ومنظمات تابعة للدول الغربية لتوزعها على الإرهابيين أو ليتم بيعها من قبل هذه التنظيمات إلى الشعب بأسعار مرتفعة جداً”.
وقال “نحن قلنا إن هذه الآلية لا يمكن أن تستمر وبالفعل وقف إلى جانبنا الأصدقاء في مجلس الأمن وبشكل خاص روسيا الاتحادية والصين ودول أخرى وأغلقت المعابر الثلاثة “الرمثا وباب السلام واليعربية” وبقي فقط المعبر الأخير وهو معبر باب الهوى الذي كان موضوع حملة لا تصدق طيلة الأشهر الستة الماضية في الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز أبحاثها والدول الغربية ورجال السياسة فيها حيث لم يبق في عالم اليوم سوى مسألة فتح معبر باب الهوى”.
وأشار المقداد إلى أن “الدول الغربية ما زالت تصر على أنها لن تقدم مساعدات لسوريا ولا تريد أن تسهم في مشاريع التنمية وإعادة البناء في سوريا على الرغم من أن القرار الذي اعتمدته ينص على خلاف ذلك”.