لمى الأتاسي: اللجوء السوري وموجة العنصرية الصاعدة

الأحد 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021

العنصرية التي يعاني منها اللاجئون السوريون تختلف حدتها من مكان لأخر وهذا حسب مستوى التطور والوعي لدى شعوب الدول التي يلجؤون إليها وتستقبلهم، ونلاحظ أنه كثيراً ما أصبح اللاجئون السوريون في بعض الدول الديمقراطية ورقة انتخابية كاذبة تستعمل في الصراعات السياسية الحزبية الداخلية للدول.

و لقراءة أعمق لا بد أن نعي بأن التصريحات العنصرية التي تصدر عن سياسيي دول اللجوء تدل على أزمة اجتماعية داخلية تعاني منها مجتمعات تلك الدول، فكثير من الدول تعاني من انقسامات داخلية، وكثيراً ما لا يكون للاجئ السوري أي علاقة بالأمر بل هو يستعمل كحجة تخفي وراءها الكثير.

وهكذا تبقى مأساة اللجوء السوري مختلفة من بلد لآخر، و يعد النزوح السوري لتركيا سابقة تاريخية لا مثيل لها فلقد نزحت نسبة كبيرة من الشعب السوري أي ملايين من السوريين وصلوا تدريجياً لتركيا. والعدد لا يحصى جدياً و يبقى غير معلوم، لكون عدد اللاجئين غير الشرعيين كبيراً ولا يمكن إحصاؤه نظراً للظروف الكارثية التي يعيشها الشعب السوري.

وإن كان البعض يغرق في البحر المتوسط وهو يحاول اللجوء لأوروبا فإن اللجوء لتركيا لا يستدعي كل هذا الجهد و هو نسبياً بمتناول الكثيرين فرغم كل الصعوبات تبقى الحدود غير مغلقة تماماً في وجه السوريين.

بالتالي حدث ما كان متوقعاً، ظهور خطاب عنصري في تركيا كما في بعض الدول الأوروبية حيث تطالب أصوات عنصرية بطرد السوريين وإغلاق الحدود، وفي مرحلة انتخابية قادمة يخشى البعض أن يهدد هذا الخطاب الشعبوي أمن وسلامة اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان المهددين بالطرد.

و لكن لا عودة ممكنة للاجئين لسوريا حالياً، العودة تعني انتحاراً حيث العائدون يتعرضون لخطر الاعتقال والقتل ولا توجد جهة ضامنة، كما لا توجد مناطق آمنة منزوعة السلاح تخفف من وطأة التدفق السوري لدول الجوار وتخفض الأصوات العنصرية في دول العالم، وفي الواقع لا مقارنة ممكنة بين الأصوات العنصرية التي يواجهها السوري في لبنان وتركيا والأصوات العنصرية التي يسمعها في أوروبا، فالعنصرية في أوروبا مقيدة قانونياً ولا تهدد اللاجئين الجدد كثيراً، بل تزعج مواطنين أوروبيين من أبناء المهاجرين القدماء، جيلًا ثالثاً ورابعاً، أغلبهم من أصول عربية وإسلامية أو أفريقية، ولقد أصبحوا اليوم من ضمن النسيج الوطني المحلي، ورغم التصعيد العنصري لا يمكن أن يتوقع أحد إمكانية سلبهم جنسياتهم أو طردهم من أوروبا لبلاد الأجداد كما يخشى بعض المتجنسين حديثاً في تركيا. فالمهاجرون في أوروبا لهم تاريخ نضال وهم في الحقيقة درع واق للمهاجرين الجدد هناك.

والواقع في تركيا مختلف تماماً، لقد تدفق لها ملايين السوريين دون أن يتم اتخاذ قرار استقبال مبرمج ومع غياب تام لأي تخطيط وتنظيم لسياسات هجرة واندماج أو لجوء كما فعلت ألمانيا والسويد وحتى فرنسا.

وتركت للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والحكومة التركية مسؤولية اللاجئين دون أي جهد و تعاون تركي آخر من قطاعات خاصة أو عامة. ولم يكن هناك برنامج استقبال تركي بأهداف تثقيفية. و هذا لم يكن ممكناً بسبب كثرة الوافدين.

عدد اللاجئين الذين وصلوا لدول الاتحاد الأوربي وخصوصاً الدول المذكورة لربما لا يصل لربع عدد الذين وصلوا لتركيا رسمياً، حيث في تركيا هناك مهاجرون غير شرعيين أيضاً يصلون بكثافة.

ومن جهة أخرى لا يوجد تاريخ للهجرات وللاستيطان في تركيا الحديثة بل كان الأتراك هم من يهاجر، وبالتالي لا خبرة تركية بموضوع الهجرة الاستيطانية كما هو الحال في دول أوروبا. تركيا لم تكن مهيأة لهكذا نزوح، ربما هذا يفسر عدم وجود سياسات هجرة و اندماج في تركيا. لكنه لا يكفي لتفسير ضعف سياسات الاستقبال والاندماج. في الواقع تعامل الأتراك مع الوجود السوري بشكل عاطفي وحتماً كان ينظر للأمر على أنه وجود مؤقت، و تزامن هذا مع ترك هامش كبير للسوريين لإدارة أنفسهم بالاعتماد أحياناً على منظمات غير جادة لإدارة حياة اللاجئين في المخيمات والمدن.

في تركيا لم يحتج السوريون لتعلم اللغة التركية أو حتى التفكير بالاندماج و تفهم قوانين وعادات المجتمع التركي، إن وجودهم بين أفراد من أهلهم ومجتمعهم السوري جعلهم لا يشعرون بالاغتراب وهم ينقلون معهم مدنهم و قراهم و عاداتهم لتركيا.

بالمقابل أيضاً لم تتوفر ظروف سياسية دولية تتعاون مع الدولة التركية بتنظيم مسألة اللجوء السوري بمعزل عن السياسة وبقرار دولي و بتعاون أكبر مع دول الاتحاد الأوروبي، وهكذا بقي أمر تواجدهم في تركيا غير محسوم ومفتوحاً على كافة التأويلات لدرجة أن السوريين أنفسهم عندما يحطون رحالهم في إسطنبول أو في أي مدينة تركية أخرى لا يعلمون إن كان هناك لديهم مشروع عودة ممكنة للوطن أم لا و هذا “اللا حزم” يشمل حتى من يستعملون مصطلح الوطن البديل.

واليوم قد يشعر السوري الذي بحوزته إقامة أوروبية ببعض الأمان، لكن هذا السوري الآخر المقيم في الدول العربية وتركيا يخشى من القادم و لا يشعر بالأمان.

ومنذ أيام أصدر والي مدينة بولو التركية قائمة توصيات سخيفة باللكنة العنصرية ذاتها التي عهدها السوريون في لبنان، من ضمنها عدم استخدام البهارات في الطعام ولكن الفارق بين لبنان وتركيا هو أن القانون في تركيا أجبر الوالي على حذفها.

وكما توعد بعض المعارضين الشعبويين في أوروبا، توعد المعارض كليتشدار أوغلو في تركيا بترحيل السوريين، ما شجع آخرين في تركيا على انتهاج هكذا خطاب. و يتزامن هذا التصعيد العنصري مع اقتراب انتخابات العام 2023.

وتقسم الحرب الداخلية السورية الشارع التركي كما تقسم الجامعة العربية وكثيراً من دول العالم ولا حل يلوح في الأفق، ورغم كافة الضغوطات التي تعيشها شعوب العالم نتيجة هذا الوضع الكارثي السوري إلا أن ملامح الاتفاق الدولي لم تتبلور بعد.

ويطمئن رئيس مركز أبحاث اللجوء في تركيا السيد متين جوراباتر السوريين قائلًا بأنه لا خوف عليهم حيث أنه لا يمكن ترحيلهم لكون أهم بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو حق العيش بأمان و بدون خوف. ويؤكد بأنه لا يمكن ترحيل السوريين بعد انتخابات 2023 مهما كانت النتائج.

وفي الواقع يضيق الخناق على السوريين في كل مكان في الداخل قبل الخارج، ولربما انعدام أي تفاعل جاد من المجتمع الدولي لإيجاد حل مقنع سببه أن التوجه الدولي القادم يمضي حالياً بعكس أمنيات الشعب السوري، حيث نلاحظ العزم الروسي على إعادة تعويم بشار الأسد رغماً عن الشارع السوري ورغم كمية الدماء التي سالت و رغم كل الدمار و الهجرة.

المصدر: نورث برس

مقالات أخرى للكاتبة