الثلاثاء 12 تشرين الأول/أكتوبر 2021
سوريا اليوم – دمشق
حذر ريدان العلي (43عاماً)، وهو اسم مستعار لمهندس في وزارة السياحة التابعة للحكومة السورية، من مخاطر عمليات ترميم يشهدها سوق “السروجية” أقدم الأسواق في مدينة دمشق، والتي تنفذها مديرية المحافظة بإشراف وزارة السياحة.
ومطلع العام الجاري، أعلنت مديرية محافظة دمشق، عن بدء عمليات تأهيل وترميم للسوق، شمل استبدال سقف السوق، إضافة إلى البنية التحتية من تمديدات كهربائية وشبكة هاتف ومطريات وحجر اللبون لكامل السوق مع تجميل الواجهات الخارجية.
ويعود تأسيس سوق “السروجية” الذي يزيد عمره عن 800 عام؛ إلى الحقبة الأيوبية، وهو أحد أهم الأسواق القديمة في مدينة دمشق ويقع شمال سوق الحميدية وسوق الخجا، يحاذي قلعة دمشق الأثرية عند الباب الغربي وعلى ضفاف نهري بردى وبانياس مقابلاً لجامع السنجقدار. وعُرف سابقاً بسوق “السرايجية” أو “السروجيين”.
مخاطر الترميم
ونقل تقرير نشرته وكالة “نورث برس” المحلية عن “العلي” وهو أحد القائمين على مشروع ترميم السوق، قوله “قد تؤدي عمليات الترميم السريعة وغير المدروسة لتغيير الشكل التراثي العمراني للسوق، ناهيك عن قدرة المواد على التلاؤم مع المشهد العام التاريخي للمنطقة”.
وأشار إلى أن تلك العمليات قد تؤدي إلى “حدوث تصدعات في الشارع أو في الأسطح إذا تم استخدام الحديد الثقيل بدل الطوب”.
ويرى “العلي” أن الترميم “يجب أن يقتصر على تصحيح التشوهات الحاصلة بسبب عوامل الجو والزمن، أو الأضرار التي نتجت عن حوادث الحرائق”، في إشارة منه إلى أن آثار الأضرار هي التي يتم صيانتها وليس البناء.
وأضاف أن “سلسلة الإصلاحات التي أطلقتها مديرية محافظة دمشق، غير مدروسة بالشكل المطلوب، وهي ليست إلا عملية ترميم لتوسيع المناطق السياحية لجذب السياح بهدف الحصول على القطع الأجنبي”.
وأشار “العلي” إلى أنه “في البداية يجب دراسة المنطقة من الناحية الاجتماعية والتاريخية والديمغرافية، يعقبها عمل ورشات من قبل فنانين ومهندسين ومهنيين وباحثين حول أهمية السوق والهدف من هذه العملية”.
وأضاف: “وبعد سنوات من الدراسة والفحص واكتشاف المواد التي ستستخدم في الترميم لتتلاءم مع المكان، يبدأ العمل”.
تاريخ عريق
وذهب حسين رحمون (65 عاماً)، وهو خبير في التراث الشعبي الدمشقي، يسرد بإسهاب ما تكتظ بها أروقة سوق السروجية اليوم، على خلاف ما مضى من الزمن حيث كان السوق مخصصاً لتجارة وصناعة سروج الأحصنة ومستلزماتها وإصلاحها.
والعديد من المحال في هذا السوق تحولت إلى بيع الشوادر والخيم والحبال، أو إلى محلات للمنظفات والغذائيات، بحسب “رحمون”.
وأضاف: “سكانٌ من كافة المناطق ومن كافة الطبقات يقصدون السوق بسبب استخدام الدواب كوسائل نقل وحتى الفرسان كانوا يقصدونه لتزين ظهور أحصنتهم بالسروج المطرزة”.
وأشار إلى أن له أهمية خاصة، “ويعتبر الدليل الدامغ على انفتاح العاصمة دمشق على التجارة العالمية في الماضي وكان مخصصاً لتلبية حاجات الدواب للتنقل والترحال”.
ورغم أن سوق السروجية لم يتضرر خلال الأزمة وعمليات الاقتتال في البلاد، إلا إنه يعاني من إهمال حكومي ممنهج حتى قبل عام 2011″ بحسب “رحمون”.
وأبدى استغرابه من عدم معرفة نسبة كبيرة من الجيل الجديد بهذا السوق، ” فعند كل مدخل من مداخل دمشق تجد حاجز تفتيش حكومي، يأخذ إتاوة من المارين والسياح والمتبضعين وهذا ما يجعل كثيرين ينفرون ويمتنعون من الدخول”.
ابتزاز حكومي
يقول منهل عرقسوسي (78 عاماً) وهو أحد التجار في سوق السروجية، إنه يملك محلين تجاريين ومستودعاً في السوق، ولكن “منذ عام 2011 أغلقتهم بسبب الظروف العامة في البلد، واحتفظت بالبضاعة على أمل العودة”.
واضطر “عرقسوسي” لدفع ضريبة قال إنها “تقدر بالملايين عام 2014 رغم أن دكاكينه التجارية كانت مغلقة”.
وأضاف أنه “لاحقاً علمت أن الكثير من التجار دفعوا ذات الضريبة، سواء كان المحل مغلقاً أم لا، لتكون وسيلة للحكومة لابتزاز التجار”، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن السوق بات يفتقر إلى اليد العاملة، “توارثت هذه المهنة عنن أبي وعن جدي، لكن للأسف أولادي جميعهم هاجروا شأن نسبة كبيرة من الشباب”.
وقال “عرقسوسي”: “حاولت مع بعض الأصدقاء والتجار والحرفيين عمل ورشات تعليمية مجانية لهذه المهنة للحفاظ عليها من الاندثار، وفي بعض الأحيان كنا نلجأ إلى دفع رواتب للأشخاص الذين كنا نعلمهم المهنة”.
ولكن الحكومة، “قامت بمنعنا بحجة أننا لا نملك ترخيص للتعليم والتدريب”، حسب “عرقسوسي”.
و”توجهنا لمديرية دمشق القديمة، وحاولنا شرح صعوبة هذا العمل وحاجتنا للمواد الأولية واليد العاملة والدعم الحكومي ولكن المدير المسؤول مازن فرزلي، لم يقبل سماع مقترحاتنا” يقول “عرقسوسي”.
ويضيف: “المشكلة الثانية التي واجهتنا هي موضوع دفع إتاوات لعناصر حكوميين، وهذا الشيء الذي استمر بانتظام رغم الانهيار الواضح الذي يعانيه السوق من الناحية الاقتصادية والعمرانية”.