مروان قبلان: هذا عنوان الصراع المقبل

الأربعاء 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021

بانتهاء الأزمة الخليجية مطلع العام، والانفراج المطرد في العلاقة بين تركيا وكلّ من مصر والسعودية والإمارات، ومع بروز احتمال استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بناء على نتائج الحوار بينهما في بغداد، تكون منطقة المشرق العربي قد طوت، أو توشك، صفحة صراع استمر عقداً، عنوانه الرئيس الموقف من ثورات الربيع العربي، ومن الديمقراطية، والتيارات الإسلامية. وبذلك تكون المرحلة الأكثر استقطابا ودمويةً في تاريخ الصراعات البينية العربية، التي انطلقت في أربعينيات القرن الماضي، قد انتهت، لتفتح، على الأرجح، صفحة صراع جديد، بعنوان جديد، واصطفافات جديدة، على ما يدلّ تاريخ المنطقة.

ومنذ نشأة النظام الإقليمي العربي في فترة ما بين الحربين، شهدت المنطقة العربية سبع مراحل صراع رئيسة: تمثلت الأولى في الصراع على زعامة العالم العربي بين العوائل الملكية في مصر والعراق والأردن والسعودية، استمرّت هذه المرحلة نحو عقد، وانتهت بهزيمة العرب في حرب فلسطين (1948)، والتي فتحت الباب أمام عصر الانقلابات العسكرية. دشّن سقوط الحكم الملكي في مصر المرحلة الثانية من الصراعات العربية (تزامنت مع استعار الحرب الباردة)، وتمثلت في الصراع بين النظم الجمهورية (الثورية) الساعية إلى تغيير النظام الإقليمي، بعد أن قلبت موازين القوى الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، والنظم الملكية المحافظة التي كانت تدافع عن بقائها في وجه المدّ الثوري. انطلقت هذه المرحلة بالصراع على “حلف بغداد” بين جمال عبد الناصر والهاشميين، ثم تحوّلت إلى صراع سعودي – مصري بعد سقوط العائلة الهاشمية في بغداد (1958). وقد أخذ الصراع بين الملك فيصل وعبد الناصر بعدًا أيديولوجيًا أيضًا بين تيار قومي عربي (عسكري – راديكالي .. إلخ) وأيديولوجيا إسلامية محافظة، واستعر خصوصا في سورية واليمن، وانتهى أيضا بهزيمة العرب في حرب 1967 أمام إسرائيل. مع أفول الناصرية، انطلقت المرحلة الثالثة من الصراع البيني العربي بين جناحي حزب البعث في سورية والعراق، وأخذ منحىً أكثر حدّة بعد ثورة إيران (1979) واندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، وانقسام العرب حولها، إذ وقفت دول الخليج ومصر والأردن واليمن إلى جانب العراق، فيما وقفت سورية وليبيا، وإلى حد ما الجزائر، إلى جانب إيران. دشّن غزو الكويت مرحلة جديدة من الصراعات العربية، انتهت معها الحروب الأيديولوجية، وتغيرت الاصطفافات، إذ انضمّت سورية إلى مصر والسعودية، ضمن المعسكر الأميركي، في حين وقف الأردن واليمن ومنظمة التحرير إلى جانب العراق. انتهت هذه المرحلة بهزيمة العراق، وانطلاق مسيرة “السلام” العربية – الإسرائيلية، وسيطرة ثلاثي السعودية – مصر- سورية على السياسة العربية حتى هجمات “11سبتمبر” في 2001 في الولايات المتحدة. بعد غزو العراق، انقسم العرب إلى معسكرين: “الاعتدال” و”التطرّف”، بتعبير وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، ومثل الموقف من إسرائيل والوجود العسكري الأميركي في المنطقة عنوان الصراع بينهما. وخاض الطرفان على هذه الأرضية معركتين كبيرتين في لبنان عام 2006 وفي غزة عام 2008 – 2009، من دون أن يحسم أي منهما المعركة لصالحه.

مع اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 تحوّل المحوران إلى ثلاثة، وضم كل منهما دولا عربية وغير عربية، وارتسمت خطوط الانقسام بينها بشأن الموقف من التغيير والديمقراطية والإسلام السياسي. انتهت المعركة بحالةٍ من الإنهاك والفوضى، أخذ على أثرها الجميع يعيدون النظر في حساباتهم الاستراتيجية، خصوصا في ضوء وصول إدارة أميركية تدفع باتجاه انفراجاتٍ إقليميةٍ لتركّز انتباهها على الصين.

الآن، ومع انطلاق عملية إعادة الاصطفاف، يطرح كثيرون تساؤلًا عن عنوان المرحلة التالية. لا حاجة إلى الإطراق ملياً! يقول التاريخ إنه بعد أن تصمت المدافع يبدأ التدافع على اقتسام الغنائم (إعادة الإعمار باللغة المعاصرة). وعليه، التقدير الآن أن يكون الصراع القادم جيو – اقتصاديا، بعدما ارتسمت خطوط التماسّ الجيوسياسية، وسيتمحور حول “كعكة” إعادة الاعمار (في سورية والعراق واليمن وليبيا) ومشاريع الطاقة وخطوط نقلها، إضافة الى المعابر المائية والموانئ. لقد دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا للصراعات الجيوسياسية التي خطفت منها حلم الحرية والتغيير، ويُتوقع منها أن تدفع اليوم ثمن إعادة الإعمار للأطراف نفسها التي تسحب الآن جيوشها إلى الخلف، وتدفع بشركاتها إلى الأمام، فهل هناك مأساةٌ، بل قل صفاقة، أكبر من هذه؟

المصدر: العربي الجديد

مقالات أخرى للكاتب