عبد المنعم علي عيسى: تطورات يمكن أن تمزق أو تلملم أوراق التفاهمات

الثلاثاء 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2021

كان من الممكن في أعقاب القصف الروسي السوري الذي طال مواقع عسكرية في بلدة سرمدا الحدودية يومي 15 و16 من شهر تشرين أول المنصرم، بالتزامن مع قصف للطريق الموصل بين هذه الأخيرة ومعبر باب الهوى، القول إن القمة الروسية التركية التي انعقدت في سوتشي 29 أيلول الماضي قد فشلت، أو القول إن البيانات الصادرة عن طرفيها لم تكن تعكس حقائق ما دار في ردهات تلك القمة، وخصوصاً أن تلك البيانات لم تأت بالكثير، وجل ما جاء فيها كان منصباً على أن الطرفين قد اتفقا على تجديد التزامهما بالاتفاقات السابقة التي يوجزها هنا اتفاق 5 آذار 2020 الذي ينص على التزام أنقرة بفتح طريق اللاذقية حلب المعروف بـM4، والتزامها أيضاً بالفصل بين الفصائل المتطرفة وتلك «المعتدلة»، مع الإشارة إلى أن هذا الالتزام الأخير هو من النوع الإشكالي قياساً لاختلاف المعايير بين موسكو وأنقرة في تصنيف تلك الفصائل، وأيها يندرج تحت مسمى «المعتدل» ثم أيها يصح توصيفه بالمتطرف.

نقول كان من الممكن القول في أعقاب «رسائل» سرمدا بأن قمة سوتشي سابقة الذكر قد فشلت قياساً للأهمية التي اكتسبتها تلك البلدة في غضون السنوات السابقة والتي تحولت فيها إلى مركز مالي واقتصادي وتجاري لعموم المناطق التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» في إدلب وجزء من محيطها، حيث الرسالة الأهم هنا تقول بأن تمنّع تركيا عن فتح طريق M4 سوف يستدعي قصف البنى التحتية التي تعتاش عليها الفصائل المسلحة الموالية لها، إلا أن ما جرى في أعقاب ذلك القصف، ولربما بالتزامن معه تقريباً، كان قد أوحى بأن ثمة توافقات كانت من النوع غير المحدد زمنياً لتنفيذ اتفاق آذار 2020، ولذا فإن الحراك العسكري جاء ليضع التنفيذ في حالة لا تحتمل التأجيل، وما جرى هو أن «هيئة تحرير الشام» كانت قد ذهبت، منذ منتصف شهر تشرين أول المنصرم، نحو شن هجوم على مواقع تتحصن فيها فصائل «جهادية» ممن يطلق عليهم اسم «المهاجرين»، كتعبير يطلق على المقاتلين الأجانب الذين تغص بهم «إمارة» أبي محمد الجولاني الذي تسعى أنقرة لتلميع صورته مؤخراً بشكل محموم، والمسعى يظهر في الآن ذاته بنيوية العلاقة القائمة بينه وبين الأخيرة التي تبرز، بشكل لا لبس فيه، أنه أضحى ذراع تمدد تركيٍ ذات مرامٍ تتعدى النمط «الاستهلاكي» في السياسة الذين كان الظن أن أنقرة تنظر إليه من خلاله.

قد تكون الجغرافيا هنا كاشفة للمرامي بدرجة واضحة، فساحات المعارك امتدت من جسر الشغور في ريف إدلب الغربي إلى الريف الشمالي من محافظة اللاذقية، ما يوحي بأن هدف تلك المعارك، من حيث النتيجة، هو فتح طريق حلب اللاذقية، ما يحقق البند الأساسي الأول لاتفاق آذار آنف الذكر، ناهيك عن أن الفعل يمكن له أن يندرج في سياقات فصل «المعتدلين» عن الإرهابيين، ما يحقق، وفق الرؤيا التركية، البند الأساسي الثاني للاتفاق عينه.

تبدو أنقرة من خلال الأحداث الأخيرة وكأنها تريد الظهور بمظهر من يريد الوفاء بالتزاماتها مع الروس، وخصوصاً ما بعد الإعلان عن استسلام «أبو مسلم الشيشاني» وخروجه من مناطق سيطرته مع مقاتليه، كمرحلة أولى تليها مرحلة ثانية تقضي بخروجهم من الأراضي السورية بشكل كامل، من دون تحديد الوجهة الأخيرة لذلك الخروج، ما يطرح تساؤلات عدة حول مصير هؤلاء، والأماكن التي تريد أنقرة استثمارهم فيها، وقد لا يكون مهماً لنا، نحن السوريين، ذاك المصير إلا بمقدار ما يترك من آثار على العلاقة القائمة بين أنقرة وموسكو شديدة التأثير في الأزمة السورية، فنقل هؤلاء إلى ساحات مثل ليبيا أو أفغانستان، وهما الساحتان الأرجح، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التوتر في تلك العلاقة، وهو سينعكس ولا شك على الأزمة السورية قياساً للمصالح الروسية والتركية المتضاربة في تينك الساحتين.

في المرامي التركية التي يمكن استقراؤها هنا من خلال الأحداث الأخيرة التي كانت بتدبير تركي أقله في شقها الثاني المتعلق بصراع «المتطرفين» مع «المعتدلين»، فإنه يمكن الجزم بأن تلك المرامي لا تعدو أن تذهب إلى أحد أمرين اثنين، أولهما هو أنها ترمي إلى مقايضة إدلب بالسيطرة على تل رفعت ومنبج كقفزة رابعة في مشروع تهشيم مشروع «قسد» الانفصالي، وثانيهما هو أن تكون أنقرة تعمد إلى «إسالة اللعاب» الروسي للحصول على ضوء أخضر من موسكو كذلك الذي حصلت عليه من هذي الأخيرة قبيل القيام بعمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون»، في الريف الشمالي من البلاد بعيد المصالحة الروسية التركية الحاصلة صيف العام 2016، وهو، أي ذلك الضوء، يتيح «القضاء» على مشروع «قسد» بشكل نهائي في مناطق شرق الفرات، مع الإشارة هنا إلى أن الضوء الأخضر الروسي لعملية مفترضة كهذه يبدو كافياً في أعقاب التلاقيات الروسية الأميركية الأخيرة الحاصلة في سورية منذ شهر حزيران الماضي فصاعداً.

المصدر: الوطن

مقالات أخرى للكاتب