منذر خدام: التعليم العالي في سوريا

الأربعاء 1 كانون الأول/ديسمبر 2021

في التقرير الأخير الذي صدر حديثا عن منتدى دافوس حول جودة التعليم العالي في جميع دول العالم لم يذكر اسم سوريا فيه. ولمعرفة الأسباب الحقيقة التي جعلت القائمين على المنتدى يشطبون اسم سوريا من تقريرهم ينبغي استقصاء واقع التعليم العالي والسياسات والإجراءات التنظيمية والإدارية التي أدت إلى ذلك.

التعليم العالي هو عملية تجري في الجامعة، يمهد لها ما قبلها من تعلم وتعليم، ويؤطرها المجتمع بما فيه من قيم وعادات واستعدادات ونظرات فلسفية واجتماعية.

تكاد تكون وظيفة الجامعة واحدة في جميع البلدان، على الأقل من الناحية النظرية، غير أن نظرة المجتمع إلى الجامعة وتفاعله معها، وما يتوقعه منها، بالإضافة إلى موقف السلطة السياسية منها، قد يختلف كثيراً.

وعندما يتم الحديث عن الجامعة يقفز إلى الذهن خمسة مكونات تشكل معاً محتوى مفهوم الجامعة ودلالته، البناء الجامعي والأستاذ الجامعي والطالب الجامعي والدرس الجامعي وأخيراً التنظيم والإدارة.

البناء الجامعي

يقصد بالبناء الجامعي البنية التحتية، بما يعني ذلك من توافر المكان المناسب لإعطاء الدروس وإجراء التدريبات والتمارين العملية والمكتبات وغرف الأساتذة والعاملين الجامعيين الآخرين. ويشمل أيضاً مختلف التجهيزات الضرورية للعملية التعليمية.

من حيث المبدأ يعد البناء الجامعي في سوريا جيداً، وإن كان الانتفاع منه تراجع كثيراً خلال سنوات الأزمة بسبب تقادم تجهيزاته.

مع ذلك يمكن مضاعفة معدل الانتفاع بالبنية التحتية الجامعية القائمة بتكثيف استخدامها، ويكون ذلك من خلال التعليم الموازي حيث يمكن إنشاء جامعات كاملة بدوام مسائي كامل في إطار الجامعات الحكومية.

الأستاذ الجامعي

الأستاذ الجامعي هو العنصر الأكثر نشاطاً وفعالية في المؤسسة الجامعية، فهو الذي يحدد إلى درجة كبيرة نوعية الحياة الجامعية، ومستوى المعارف الجامعية ونوعية الدرس الجامعي، ومستوى البحث العلمي والتجديد والابتكار.

ويؤدي هذا الدور سلباً أو إيجاباً بالعلاقة مع حسن اختياره، وكيفية إعداده وتأهيله، ومجمل الشروط المادية والمعنوية المحيطة به في المؤسسة الجامعية.

والأستاذ الجامعي لا يكون بصفته تلك إلا إذا كان مسكوناً بروح التساؤل والبحث والتعلم والنقد والتجديد. وهذا يتوقف بداية على كيفية اختياره. فمن المعلوم كيف يتم اختيار المعيدين الذين سوف يصبحون أساتذة المستقبل، ودور العلاقات الشخصية والمعايير الأمنية والحزبية في ذلك. ومع أن الناجح الأول في كل قسم صار يعين معيداً فيه، وهذه خطوة جيدة لكنها حصلت في ظل تراجع مستوى التعليم بصورة كارثيةـ

وفي سوريا يجري الفصل بين الوظيفة التدريسية للعامل العلمي، ووظيفته البحثية، واعتبار الأولى هي الوظيفة الرئيسة، والثانية هي الثانوية أو المشتقة.

في واقع الأمر المسألة ينبغي أن تكون معكوسة، فالعامل العلمي لا يكون إلا من خلال مساهمته في إنتاج المعرفة العلمية ومتابعته لها، ومن ثم العمل على نشرها أو تعليمها للطلبة. ومما لا شك فيه أن السلطة وحكوماتها المتعاقبة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن ذلك، فالأموال المرصودة للبحث العلمي في سوريا لا تشكل سوى جزء بسيط من مخصصات التعليم العالي التي هي بالأساس متدنية جداً (لا تزيد عن 0.35% من الدخل الوطني)، علماً أن منظمة اليونسكو كانت قد أوصت بأن لا تقل مخصصات البحث العلمي عن 1% من الدخل الوطني، وهي في فرنسا نحو 2.54% وفي أمريكا نحو 2.62% وفي إسرائيل تزيد عن 3%.

الطالب

  الطالب هو الركن الأساسي الأخر المكون لمفهوم الجامعة. فهو مكتسب العلم اليوم ومنتجه ومعطيه غداً، أو حامله كقوة إنتاجية خبيرة ومؤهلة.

إن قبول الطلبة في الجامعة ينبغي أن يسترشد بمعايير معينة منها حاجة الاقتصاد الوطني للكوادر المؤهلة، وميول الطلبة واستعداداتهم، على أن تنعكس هذه المعايير في نظام المفاضلة. في سوريا يتم اعتماد سياسة الاستيعاب لجميع الناجحين في الشهادة الثانوية، وهي سياسة خاطئة انعكست سلباً على مستوى العملية التعليمية. والأخطر من كل ذلك أن أغلب الطلبة الجامعيين اليوم لا يحضرون إلى قاعات المحاضرات بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة.

المناهج الدراسية

العنصر الرابع المكون لمفهوم الجامعة هو المناهج الدراسية التي يعبر عنها الكتاب الجامعي. لقد أساءت سياسة اعتماد الكتاب الجامعي كثيراً للعملية التعليمية في الجامعة إذ أضعفت الحافز على المتابعة العلمية والكتابة والتأليف.

وبات تطوير المناهج الدراسية في جامعاتنا من القضايا الملحة جداً، فمن غير المقبول أن يستمر تدريس كثير من الكتب الجامعية لفترة تزيد عن ثلاثة عقود دون أن تتغير.

التنظيم والإدارة

إن العناصر الأربعة السابقة الذكر لا تكون الجامعة بها إلا إذا تفاعلت مع بعضها، وهنا يأتي دور العنصر الخامس المكون لمفهوم الجامعة، وهو عنصر التنظيم والإدارة.

تنظيم الجامعة يعني إيجاد التناسبات الضرورية بين مكوناتها من الناحية الكمية والنوعية. أما الإدارة فيتحدد دورها في ضبط وتوجيه تفاعل هذه العلاقات التناسبية بحيث تؤدي إلى منتج جامعي عالي النوعية.

ومن المعلوم أن ثمة معايير ومؤشرات كمية لهذه التناسبات، مثلاً عدد الطلبة لكل مدرس جامعي، وعدد الساعات التدريسية، وما هو مخصص منها للدروس النظرية والتمارين العملية، وعدد العاملين المساعدين لكل أستاذ جامعي، والتجهيزات المخبرية بالعلاقة مع عدد الطلاب، وحجم الجهاز الإداري.

للأسف جميع هذه المؤشرات اليوم تختلف عن مثيلتها المعتمدة عالمياً.

في المقالة القادمة سوف نركز على الدور الحاسم الذي أدته السياسات الحكومية في تخريب التعليم في سوريا.

المصدر: نورث برس

مقالات أخرى للكاتب

سوريا اليوم. أخبار سوريا. أخبار سوريا اليوم. سورية اليوم. أخبار سورية. أخبار سورية اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم. أخبار اليوم سوريا. أخبار اليوم سورية.